للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئًا لاستخراج البر ممن لا تطوع له نفسه في غير حال الخوف والرجاء. فلو كان النذر لا يلزم له يقع به الاستخراج والله أعلم.

ومما جاء في إخلاف الله للوعد ما يروى أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قليل تقوم بشكره خير لك من كثير لا تقوم بشكره) ثم أتاه بعد ذلك، فقال: يا رسول الله، ادعو الله أن يرزقني مالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لك في رسول الله أسوة حسنة، والذي نفسي بيده لو أردت أن تصير الجبال معي ذهبًا وفضة صارت). ثم أتاه بعد ذلك، فقال يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالًا، فو الذي بعثك بالحق لئن رزقني مالًا لأعطين كل ذي حق حقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ارزق ثعلبة مالًا، ثلاثًا). فاتخذ عنمًا فنمت كما ينمو الدود، فتحول إلى أودية المدينة، فكان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر، ويصلي في غنمه سائر الصلوات ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد إلا الجمعة. ثم كثرت غنمه ونمت فتباعد أيضًا حتى كان لا يشهد جمعة ولا جماعة. فكان إذا كان يوم الجمعة خرج يتلقى الناس يسألهم عن الأخبار. فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: (ما فعل ثعلبة؟ فقالوا: يا رسول الله، اتخذ غنمًا ما يسعها واد. فأنزل الله تعالى آية الصدقة). فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من بني سليم ورجلًا من جهينة وكتب لهم أسباب الصدقة كيف يأخذان وأمرهما أن يمرا بثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سليم. فمروا، وقالا لثعلبة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نمر عليك، ونأخذ صدقة مالك. فقال: أرياني كتابكما، فنظر فيه فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أحب الجزية، فارجعوا إلي حتى أرى رأيًا. فخرجا، وسمع به السلمي فاختار خيارًا في أكلها، فتلقاهما بها فقال: يا هذا عليك. فقال: خذاه، فإن نفسي بذلك طيبة فجزاء على الناس وأخذ للصدقات، ثم رجعا إلى ثعلبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>