للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: أروني كتابكما، فقرأه، ثم قال: ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أحب الجزية. اذهبا حتى أرى برأي. فأقبلا، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن يبلغاه قال: (يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، ثم دعا للسلمي). فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضي عليه القضاء، وأنزلت هذه الآية: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون، فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}. وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من أقارب ثعلبة، فذهبوا إليه فأخبروه بما أنزل الله فيه، فجاء بصدقة ماله، فقال: يا رسول الله، أقبلها مني، فقال: (إن الله منعني أن أقبلها منك). فجعل على رأسه التراب وجعل يقول: يا رسول الله اقبلها مني: فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلها منه، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى أبا بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا بكر، يا خليفة رسول الله، قد علمت موضعي من الأنصار، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عتب علي في شيء فاقبل مني صدقة مالي، فقال أبو بكر رضي الله عنه: رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قبلها منك وأنا أقبلها منك. فتوفي أبو بكر ولم يقبلها منه. فاستخلف عمر رضي الله عنه، فأتاه فقال: يا أبا حفص يا أمير المؤمنين، اقبل مني صدقة مالي، فقال: لم يقبل منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه فأنا أقبلها منك، ثم توفي عمر رضي الله عنه ولم يقبلها. واستخلف عثمان رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل مني صدقة مالي، فقال: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر، فأنا أقبلها منك، فأبى أن يقبلها، فرجع. ومات في خلافة عثمان رضي الله عنهم أجمعين.

فإن قال قائل: ما وجه الامتناع من قبول صدقته بعدما جاء وأظهر التوبة، وجعل على رأسه التراب.

قيل: إن الكتاب قد نطق بأنه لما منع عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعقبه الله نفاقًا في قلبه. فيحتمل- والله أعلم- إنه إنما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خيفة أن يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>