بالعقوبة، وينفذ إليه من يأخذ صدقة ماله قهرًا. وإنه لما رأى الامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ صدقته لم يشق عليه ذلك بل أعجبه، وكان جعله التراب على رأسه نفاقًا، وكان الذي في قلبه أراد أن يثبت النبي صلى الله عليه وسلم على الامتناع من قبول صدقته، وأعلم الله تعالى ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم بأخذ صدقة ماله بعد أن نافق، ولم يشرح صدرًا، بقبول الزكاة وسماه جزية، ويسخطها ويضجر منها. ثم جرى الأئمة بعده صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم على منهاجه، إذ كان لا يمنعهم أن يخالفوه.
وقد يجوز أن يكون بدء نفاقه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(قليل يقوم بشكره، خير من كثير لا يقوم بشكره). فخوفه أن لا يقوم بشكر الكثير أن أوتيه لم يخف من ذلك ما خوفه ولم يتق فيه، ولا يزال عليها، ولكنه أقسم عليه صلى الله عليه وسلم في وجهه بالله، لئن أتانا من فضله أتاه مالًا، ليعطين كل ذي حق حقه فكان ذلك نفاقًا فلما رزق المال وفرض الله الزكاة نسخها وضاق منها. ثم نفاقه علم به، فهنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قبولها لذلك والله أعلم.
وأما ما في نكث العهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما من غادر إلا وله أمرًا يعرف به، ومن نكث سعيه لقي الله يوم القيامة أجذم). قال صلى الله عليه وسلم:(من نكث صفقته فلا حجة له يوم القيامة، ومن مات وهو مفارق الجماعة فموتته موتة جاهلية). وقال صلى الله عليه وسلم:(ما من احد يعطي بيعته ثم ينكثها غير مكره ولا مجبورًا إلا لقي الله وليست معه).
ثم إن من المعلوم، إن من نذر وبرأ، فإنما يريد إلحاق ما لم يوجبه الله تعالى من ذلك عليه بما أوجبه وفرضه. فلما كان من حكم الله تعالى إن ذلك يبدوا منه، فليكن منه إيجابه، دل به ذلك على أن يخرج بتركه كما يخرج بترك ما أوجبه الله تعالى، إذا كان كل من ذلك ترك واجب لازم والله أعلم.