للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

فأما ما يكون من الناس فكل ما لزم وجب الإيفاء به. فإذا باع رجل ما أوجب البيع بينه وبين المشتري، كان عليه تسليم السلعة، وعلى المشتري تسليم الثمن. وذلك إذا حل في قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} لأن العقد وقع لنا قبل الإقلال. فإذا كان الملك لا ير إلا بالقبض ولا يتمكن واحد من المتبايعين من تدبير ما ملكه بجميع ما يراه إلا بزوال يد صاحبه دل ذلك على أن: من الإنهاء بالعقد أن يتناقلا المالين عن أيديهما كما يتناقلاه عن أملاكها. وهكذا كل ما يثبت البيع وإن كان بينهما شرط من خيار، أو أجل أو رهن أو كفيل، فالشرط لازم لهما، لأنهما عقدا عليه والله عز وجل يقول: {أوفوا بالعقود}.

ومن أولى ما يلحق بهذا الباب حكم الأمان، فإنه إذا عقد لرجل من المشركين أو أهل البغي أمان لم يجز التعرض له بعد ذلك، لقول الله عز وجل: {ثم أبلغه مأمنه}. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل باع حرًا، فأكل ثمنه، ورجل أعطى بي ثم غدر، ورجل استأجر أجيرًا ثم لم يعطه أجره). وهذا أبلغ ما يكون من الوعيد وبالله التوفيق.

وجاء في الوفد بالعهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من عبيد الله بن ربيعة مائتين وأربعين ألف درهم في بعض مغازيه. فلما قدم قال: (هاك مالك بارك الله في أهلك ومالك، فما جزاؤك إلا الوفاء والحمد). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له).

وروى أن عجوزًا دخلت دار رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها وأخفى لها، ثم قال: (إنها

<<  <  ج: ص:  >  >>