للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى أن درجات الصلاة عندك لا تزداد بالصيام ولا درجات الصيام بالحج، فكذلك يلزمك أن تقول: أن فضل شهادة الحق ودرجاته لا تزداد بخير، سواها يؤتى به بعدها إن لم يكن إيمانا مثلها. فإن قلت: بل يزداد، لزمك أن تقول: أن كل خير يكتسب بعدها من دوامها فهو إيمان، وإنما يزداد فضل الشهادة بها لانضمام اشتباهها، كما يزداد فضل الصيام واجتماع حقوقها وشرعها والله أعلم. وكل ما قلته في هذه الآية فهو في غير مثله وبالله التوفيق.

وأما استشهادك بالصلاة بمكة فغير صحيح. لأن تضعيفها لا يتعلق بزيادة فعل يكون من المصلي سوى ما يكون منه لا بمكة فمثلها أن المراد به تضعيف الثواب فقط، وأما زيادة الإيمان فلا تحدث إلا بفعل يحدثه المؤمن زائدا على ما تقدم منه، فإن لم يكن ذلك الفعل إيمانا، لم يجز أن يزيد في درجات الشهادة المقدمة، إذ لو جاز ذلك لجاز أن يكون فعل المباحات يزيد في درجات، ولما لم يجز ذلك وزادت الطاعات عنده في درجات الشهادة صح أنها إيمان مثلها، فإذا انضمت إليه يثوب بها، فازداد بذلك ثوابها، والله أعلم.

وأما استدلاله على أن المراد بزيادة الإيمان زيادة درجاته ونقصان ثوابه، بل كل زيادة في نفس الشيء، فإن ارتفاعه يوجب نقصانا فيه، وترك الطاعات يوجب نقصانا في الإيمان، ومع ذلك يحتج عليه بقبول نفيه فلا يبالي وكأنه لا غرض له إلا أن يسود بياضا.

أو يقال: قد قال: وليس هذا من الآية بسبيل، فإن سئل عن نقصان الإيمان ترك الطاعات. قيل له: أقل ذلك إن صح يكن له طاعة، إلا شهادة الحق صار صريح إيمانه معارضا بأمارات الكفر، لا أن المعاصي كلها فروع الكفر، وهي إذا عارضته أو هنته كما لو صاحبته الطاعات التي هي أمارات التصديق لقوته. ولهذا سمي المسلمون الفسق جرحا وخلافه عدالة. فقلت: إن ترك الطاعات ناقص من الإيمان، وإن الأمر في ذلك بخلاف ما قدر والله أعلم.

وأما من قال: إن المعاصي تحبط الثواب، وقد تخلص إلى ثواب الشهادة إذا أحبطت ثواب ما دونها، فإنه يقول: أن المعاصي تنقص الشهادة لأنه يجعلها لا ثواب لها، وإذا جعلها كذلك فقد نقص قدرها وحط رتبتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>