للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موجودة، ولا يوجد من بعض الناس فعل شيء منها جاز أن يكون من حيث الشرع محدودة ويوجد من الناس التفاوت فيها، فمن جامع بينهما وبين مفرق، فمن جمع فقد كمل إيمانه، ومن فرق نقص إيمانه. ألا ترى أن الصلاة المفروضة محدودة في الشريعة، ثم قد توجد في أفعال المؤدين لها بالزيادة والنقصان، فمن أقامها كان كامل الإيمان ومن أقام بعضها وترك بعضها كان ناقص الصلاة وأجزاؤه كالصلاة وأعدادها والله أعلم.

قال الرجل: فتأويل الآية يخرج على وجوه:

أحدها: أن يكون المراد بها الزيادة في فضل الإيمان ودرجته، وحسنه وجماله، لا في أجزائه وأبعاضه، كما سميت صلاة واحدة بمكة بألف صلاة، وأريد بذلك الزيادة في الفضل والدرجة لا في العدد. والآخر إن ما كان زيادة في نفس الشيء وأجزائه فإن ارتفاعه يوجب نقصانا فيه، وترك الطاعات لا يوجب نقصانا في نفس الإيمان. فدل ذلك على أنه ارتد به الفصل والدرجة، وهكذا يقول: إن الإيمان يزيد في الفضل والدرجة والحسن والجمال، ومن تعاطى المعاصي كأن إيمانه في الفضل والمنزلة، ومن الإيمان من يتعاطى أفعال الطاعات.

فيقال له: إن الآية لا تحتمل ما ذكرت لأن الله عز وجل قال: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون}. ومعلوم أن نزول السورة لا يزيد المؤمنين فضل درجاتهم في إيمانهم، ولكنها قد تزيدهم إيمانا من حيث يعتقدونها ويعملون بها، فتكثر لذلك طاعاتهم. فصح أن المعنى هذا دون ما قاله.

فإن قال: وما يمنع من أن يقال أنها تزيدهم إيمانا من حيث يعتقدونها ويعملون بها فتكثر، فتزداد بذلك درجات إيمانهم. قيل: يمنع من هذا أن الإيمان عندك إنما هو الاعتقاد والإقرار فقط. ومجموع هذين لا ينبغي أن يزداد تفضلا في درجات الثواب بطاعة تقام وخير يكسب بعده إن لم يكن ذلك إيمانا، لأن ثواب الإيمان لا يزداد درجاته ولا تتضاعف بما ليس بإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>