كل واحد منهم بما يحمله غيره عنه لمصالح الدين والدنيا فهيأت الجماعة الحياة واستطابوا العيش، فذلك قوله عز وجل:{نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا}. قيل إنما أراد به ما وصفنا والله أعلم.
وأما قوله عز وجل:{الذي جعل لكم الأرض فراشًا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم}. فإنه امتنان بما جمله للناس في الأرض من المرافق فمنها إنها مختصة بالناس وبما يحتاج إليه الناس، ليس عليهم فيها دخيل من غيرهم يضيقها أو يكدرها ويبغضها عليهم. فهي لهم أحياء وأموات، يسكنونها ويعمرونها ويزرعونها ويغرسون فيها، ويذهبون ما يشاؤون فيها ويغيرونها من حال إلى حال كما يريدون. فربما طيبوا ودايًا، وربما سقوا أوانها، وربما خفضوا ربوة وربما رفعوا وهدة. وربما عمروا خرابًا، وربما خربوا عامرًا، لا يمنعون من ذلك عما يشتهون ولا يدفعون. وجعل لهم أن يقيموا في منازلهم المعتادة وأن يضربوا في الأرض فيمشوا في مناكبها، ويبتغون من فضل الله، والزيادة من خيراته ونعمه، وسخر لهم البحار على صعوبها وشدة أهوالها، فهم يركبونها ولا يدعون في مائها حوتًا إلا أخذوه فأكلوه ولا في قعورها لؤلؤًا وزبرجدًا إلا استخرجوه، فحلوا ذوات الحل منهم به أو باعوه. فأصابوا منه الأموال، ودحروا هالة الدجالين، وجعل بعض تباع الأرض بمنزلة الخزائن لهم. فمنها من يخزن لهم المياه التي فيها حياة النفوس والبلاد. قال الله عز وجل:{وجعلنا من الماء كل شيء حي}. وقال:{وأنزلنا من السماء ماء طهورًا لنحيي به بلدة ميتًا ونسقيه مما خلقنا أنعامًا وأناسي كثيرًا}. وقال:{وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون}. وقال:{فسلكه ينابيع في الأرض}. ومكن العباد من استنباطه والانتفاع به، وأكرم خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم في ولده الصغير لما أسكنه الحرم بأمره. فأرسل جبريل حتى فتح له عين زمزم وأنبط منه الماء فجيء به الوالد وأمه