للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصالح ومكاسب مما عمله على صانع لخاصة نفسه، فهو له مصلحة. وبما عمله لغيره بعوض فهو له مكسبة، ثم تعود المكسبة إلى معنى المصلحة، لأنه لنفسه يكتسب، أما دافعًا لكسب ضرورة مواقعه، وإما مستعينًا به على ضرورة إن وقعت كيلا يعجز حينئذ عن دفعها.

ومنها إنه جل وعلا فعل الأعمال كلها معاون للحياة، ثم لم يركبها على كل واحد من الناس، ولكنه فرقها بينهم، فجعل كل واحد منهم يعمل منها عملًا، حتى إذا حصلت المعاون كلها لوقوع التحايل منها، وجد المشارك في المعيشة والهناء بالحياة. ألا ترى إن كل واحد من الناس لو احتاج إلى أن يزرع لنفسه ويقوم على الزرع بالسقي وغيره إلى أن يدكه ثم يحصده ويدرسه ويذريه ويحمله إلى بيته، ويأخذ منه الشيء بعد الشيء فيطحنه ويرده ويسقي الماء ويعدنه ويخبزه، يعمل ذلك كله بيده، ثم يحتاج في ذلك إلى أن يحصل كل واحد من آلات الحرث بيده فيطحنه ويرده ويسقي الماء ويعجنه ويخبزه، يعمل ذلك كله فيقتلع الحديدة من المعدن بيده، ويدينه ويضربه على ما يصلح له بيده، ويقطع من الخشب ما يحتاج إليه. فيركب أحدهما على الآخر بيده، ويسوي آلة الحصاد كذلك بيده، وآلة الدراس وآلة التذرية، ويغزل الصوف وينسج ما يعمل منه الأوعية بيده ويملأ ماء يحملها بنفسه ويسوي آلات الطحن كلها واحدة بعد واحدة، ثم يطحن بيده، ويجمع ما يحصل فيرده إلى مكانه بيده، ويتخذ الآلة التي يحتاج إليها للعجن بيده ويسقي الماء ويعجن بيده. ويتخذ التنور فيذر أمره من أوله إلى آخره بيده، وينصبه بنفسه، ويحمل الحطب بيده، ويوقد النار بيده، ويخبز بيده ويأخذ بيده، ويحتاج مع ذلك بيتًا وصنفًا ليلًا ونهارًا في أصناف ما يلبسه إلى مثل هذا الشغل. وفيما يفرشه وفيما يكنه من البيت إلى مثله. واحتاج فيما ينعقد، وفي كل معونة في معاون الحياة إلى مثل ذلك لمات المحتاج إلى اللقمة الواحدة ولما يدركها ويبلغ حاجته منها. فمتى كان يكون التفرغ إلى عمل الآخرة واستنباط العلوم واكتساب المليئات منها.

وكان من نظر الله تعالى لعباده أن فرق هذه الأعمال بين العباد، فجعل واحدًا يحرث وواحدًا يحصد وواحدًا يغزل وواحدًا ينسج، وواحدًا يتحر، وواحدًا يصوغ، حتى إذا اشتغل كل واحد منهم ليشتغل نجحت الاشتغال بما حصل من التظاهر عليها، ففرغ

<<  <  ج: ص:  >  >>