للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين}.

ومما أفاد الناس من البهائم ألبانها التي هي كاللحم في الفائدة والمنفعة، وقد ذكر الله عز وجل فقال: {وإن لكم في الأنعام لعبرة، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين}. يعني- والله أعلم- من الجوف الذي هو معدن الفرث والدم، لأن في الأمعاء الفرث، وفي الرحم الدم، ولا شك في اتصال الإخلاف بالأرحام. اللبن هو ما يحله الله من الدم ونضره، ولذلك صارت المراضع لا تحضن كما لا تحضن الحوامل. فاللبن إذا كان خارجًا من الجوف، فهو خارج من معدن الفرث ومعدن الدم، فصح أن يقال من بينهما والله أعلم.

وقد جعل الله تعالى اللبن أول أقوات المولودين، فركب في الأم الحنو والشفقة على المولود، وأهمها العلوف عليه إلى أن يسعى عنها، فقال: {ووصينا الإنسان بوالديه، حملته أمه كرهًا، ووضعته كرهًا. وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا}. والفصال لا يكون إلا من الرضاع، فصار مذكورًا بذكره.

وقال: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ولا تكلف نفس إلا وسعها، لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده} وإنما نهى عن ذلك لما حل كل واحد من الوالدين عليه الرأفة والرحمة بالوالد. فجعل منع الرجل المولود من الأم ليلًا ترضعه ضرارًا لها. وامتناع الأم من الرضاعة ليضطر إلى استرضاع غيرها ضرارًا له، ولم يجعل لواحد منهما الفصال قبل الحولين، لأن ذلك ضرًا، والولد حكمًا لا يكون لواحد من الاثنين مضارة للآخر. كذلك لا يكون له مضارة الولد أن يجتمعا عليه بعد الارتياء والنظر والتشاور، فيعلم أن المولود لا يتضرر بالفصال، فيكون اتفاقهما ماضيًا بينهما لعدم الضرار فيه والله أعلم.

وهذا كله نظر من الله عز وجل للوالدين لئلا يكون من واحد منهما سببًا لهلاك الولد، فيفجعهما فقده، وللولد انبراح علته، وتتوفر عليه مصالحه، فبلغ المبلغ الذي يرجوه الوالدان لأنفسهما وله.

<<  <  ج: ص:  >  >>