ومن الدواب ما خلق للركوب وحمل الأثقال، وفيها ما جمع بين المنفعتين أكل اللحم والركوب. قال الله عز وجل:{والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم. والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}. وقال:{أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعامًا، فهم لها مالكون، وذللناها لهم، فمنها ركوبهم، ومنها تأكلون. ولهم فيا منافع ومشارب أفلا يشكرون}.
وأما السباع فمنها ما سخرتها للناس بأن جعلها قابلة لتعلمهم كالفهود والكلاب وسباع الطائر، كالبازي والعقاب والصقر والشاهين، فإذا تعلمت وارتضات كان فيها من المنفعة أن تكتسب لأربابها إذا حملتها عليه وقد ذكر الله عز وجل فقال:{يسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكليين تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه}.
وإما ما لم يسخرها من هذه الوجوه، فلم يحل الناس من تسليطهم عليها، وتقويتهم على قهرها. ولهم في جلودها المنافع، فإنها قد تكون تشبه الدواب في وقت القتال. وقد تكون فرشًا وبسطًا إذا دبغت. فإن فضل عما ذكرنا شيء لا ينتفع به كالخنزير وغيره مما لم يبح أكل لحمه، فذلك لا يعارض غرضنا فيما نسوقه من هذا الباب، لأن الأغراض في الانتفاع موجود في ذلك كله. فإن كان الله عز وجل لم ينعم بالإباحة، فقد أنعم بما كان في الامتحان ما حصر من الحكمة، لأن العبد إذا حافظ على حق الله تعالى، واستباح ما أباح له شاكرًا، واتقى ما حرم الله عليه صابرًا، أثابه الله تعالى بشكره المباح خيرًا منه، وبصيرة على المحظور خيرًا منه، فلم يحل خلق المحظور من أن يكون للبائن كخلق المباح وبالله التوفيق.
ذكر النار: وفي الأرض التي تؤذي، فيكون منها السرج المهتدى بها في الليل بدلًا من ضياء الشمس في النهار، وما يشبه السرج من المشاعل والشموع والقناديل، ويكون منها ما يحتاج إليه للخبر والطبخ والشي وتسخن الماء الذي يغسل به الثياب، أو يحتاج