للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقصر النهار وأطال الليل، جعل أيام الشتاء هي القصيرة وأيام الصيف هي الطويلة. لأن ليل الشتاء يمنع الناس من التصرف والانتشار، فجعل زمانه أقصر ليأووا قريبًا إلى منازلهم ويتحصنوا بأكسائهم، ويساموا فيها بالنبات الدفية والاصطلاء بالنار من غوائل البرد. ثم عوضهم منها طول أيام الصيف حتى يتسعوا في الانتشار، ويتمكنوا من التصرف والتكسب، ويتوصلوا إلى حاجاتهم، ويقضوا ما في النفوس من أوطارهم. فيرجعوا إلى منازلهم وقلوبهم فارغة، ثم لا يطول مكثهم فيها، لكن إنما هو أن تستريحوا بالنوم وقد أصبحوا، فعادوا من كثير من الاضطراب والتصرف. وهذا في إطالة ما يطيله وتصيره ما يقصره.

فأما أصل الليل والنهار، فيكون النهار المنصرف في أمور معائشهم والتوسل فيه إلى مكاسبهم. والليل لراحتهم وجمام أبدانهم. وكل هذا من الله عز وجل إرفاق وأنعام وفضل وامتنان. وقد ذكره الله تعالى فقال: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه، أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيها ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}. أي لتكونوا عند توفر هذه النعم عليكم من الشاكرين لله عز وجل.

ذكر الرياح: ثم إن الله تعالى كما فاوت بين أحوال الهواء فجعله مرة حارًا ومرة باردًا، وفي وقت رطبًا وفي وقت يابسًا، فكذلك فاوت بين حالته، فجعله مرة ساكنًا ومرة متحركًا. فالريح يحرك الهواء وقد يشتد وقد يضعف، فإذا بدت حركة الهواء من وراء القبلة وكانت ذاهبة إلى اتجاه القبلة، قيل لتلك الريح الدبور، وهي التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن عادًا هلكت بها. وهي التي أرادها الله عز وجل بقوله: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية} إلى قوله {خاوية}. وقال: {إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في يوم نحس مستمر تتنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر}.

وإذا بدت حركة الهواء عن يمين القبلة ذاهبة إلى يسارها، قيل له ريح الجنوب. وإذا بدت حركة الهواء عن يسار القبلة ذاهبة إلى يمينها قيل له ريح الشمال. ولكل واحدة من

<<  <  ج: ص:  >  >>