جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها}. إلى آخر هذه الآية. فكذلك جعلها من معجزات سليمان عليه السلام لأنه سخر له الريح، فكانت تغدو شهرًا، وتروح شهرًا. ولم يذكر الله عز وجل في كتابه إنها تغدو وتروح. فذكر في الإخبار أن الشياطين كانت أعدت له مدينة من قوارير، وأنه كان يدخلها بنسائه ومن يريد من قومه، ثم يأمر الريح أن تحملها، فتحملها حمل الرياح السحاب، فتغدو بها مسيرة شهر، وقيل إنه يحمل قومًا على ألواح وأمر الريح فحملتها وجاوزت بها البحر، ثم أنزلتها حيث أمرها به، فقاتلت قومًا من العدو وظفرت، ثم ركبت الألواح فرفعتها الريح وحملتها إلى أن عادت بها معهم إليه مظفرة منصورة. وهذا الذي سبق اقتصاصه من جملة ما أنعم الله تعالى به على عباده في هيأت خلقهم، والمرافق التي جعلها لهم في أرضه وسمائه وما بينهما، ووراء هذا إنعامه عليهم بأن خاطبهم وأمرهم ونهاهم، وجعل صلاحهم لذلك ثمرة للعقل والبيان الذي أعطاهم وميزهم بالتيسير لعاد به عن البهائم، وألحقهم في ذلك بالملائكة، فعوضهم ذلك، يعلموا ما شرعه، فيستوصوا به ثناءه ومدحه وثناء الملائكة المقربين ومدحهم، ويستفيدوا به النعيم المقيم الذي لا ينتقص ولا ينفي ولا يبيد.
وقد يكون في هذا، إنه لما خلق لهم من الخيرات والبركات في الدنيا ما خلق يعيدهم ليقضوا بالعبادة حق هذه النعمة، فيعوضهم من شكر النعمة المنقضية الدائمة خلافًا لحال البهائم التي تصيب ما تصيب من رزقه بلا عبادة تحصل من جهتها، فينقضي أمرها بانقضاء أكلها، ولا يكون لها في نعيم الآخرة نصيب.
ومن ذلك إنعامه عز وجل بفتح باب في الدعاء والمسألة على العباد، واعتداده جل اسمه ذلك، عبادة منهم له، فقال:{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}.
وجعل سببًا بكلامهم من أهوال عظيمة وشداد حادثة، نحو إحاطة السبع الواحد والإشراف على المغرق في البحر من هبوب العواصف وتلاطم الأمواج وحدوث أمراض لم تجر للعادة في البر.