ومنها وغير ذلك من عوارض كثيرة جرت العادة بانكشاف البلية فيها بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، حتى إن كثيرًا من الدهرية الذين لم يدعو الله لأجل التي سمعوها من المسلمين، ولم يعترفوا لأجلها بالصانع عز وجل، آمنوا بالله تعالى وأقروا به لما رأوه من نجاة الذين أحاطت بهم الأمواج في لجج البحار، وصاروا إلى حال لا يتوهم معها لهم خلاص، ولا يعلم لسلامتهم سبب ولا احتيال إلا بدعائهم وابتهالهم وتضرعهم حتى لم يمسهم سوء، أو سلموا عن عامة كانوا رصدوه من المكروه، وكانت السلامة لركاب البحر من هذا الوجه وبهذا السبب أغلب من التلف. قالوا: فلولا إن الذي يعبدونه بدعائهم موجود كما يقولونه، وله الخلق والأمر كما يعتقدونه، لكان الذي لا يمكن ولا يجوز غيره أن يعطبوا ولا يتخلصوا، فصار ذلك سببًا لإيمانهم واعترافهم بما لم تلجئهم الدلائل العقلية المعتبرة، غير أن الجدل المهذبة من الشوائب كلها ساقت النظر إلى قبوله والاعتراف بصحته، ولهذا قال الله عز وجل:{فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}. وقال:{ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله، إنه كان بكم رحيمًا وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه، فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورًا، أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبًا ثم لا تجدوا لكم وكيلًا، أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى، فيرسل عليكم عاصفًا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعًا}.
وقال:{هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف، وجاءهم الموج من كل مكان، وظنوا أنهم أحيط بهم، دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين، فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق}.
فامتن الله جل ثناؤه على العباد بما نجاهم من دعواتهم في لج البحار خائفين مضطرين مشرفين على أعظم ما يكرهون، وينسبوه لهم من الخلاص والنجاة، ثم عاتبهم على ما