للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الله عز وجل، وقد قال في كتابه: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}. وقال: {ألا له الخلق والأمر}. وقال: {إن الله يفعل ما يشاء} وقال: {إن ربك فعال لما يريد}. وقال: {إن الله يحكم ما يريد}.

فلو أراد أن يتعبد أحدًا بأمر ولا نهي، ويدخلهم الجنة ويبيحهم نعيمها من غير طاعة تكون منهم، كان له ذلك. وإن تعبد ولم يدخل أحدًا الجنة إلا أن يكون الإيمان قد سلم له، فذلك أيضًا له وهو حقه. فلا سؤال بمثل هذا الوضع لأحد وإلا يعبد، إنه ولم يتعبد العبد، فيجعل له طريقًا إلى العبادة، ولم يستوجب العبد عليه إحسانًا وتخلا عن الوسيلة إلى ربه لأنه لما خلقه بدأه بالإحسان، بأن خلقه حيًأ وأعطاه بيانًا وعقلًا، أزاح علله، وأناله من الخيرات أكثر مما كان يحتاج إليه فوجبت له بذلك عليه حقوق، لو أراد أن يقضيها حتى يخرج من عهدتها ما قدر عليه، فإذا خلا بعد هذا عن العبادة كان الحق كله لله عز وجل عليه، ولم يكن قبل الله تعالى وسيلة إذا تعبده بالأمر والنهي، يعيد الطاعة له في أمره ونهيه، صار التزام العبودة واستشعار الذلة وإظهار الرغبة والرهبة، وسيلة له عند الله تعالى يستحق بها أن يحسن الله تعالى. فإذا تعبده لتكون له هذه الوسيلة فيحسن إليه لأجلها.

فإن قيل: أليس لو أحسن إليه بلا استحقاق لكان ذلك الفضل والكرام سنة فيه إذا أحسن إليه عن استحقاق، وهلا أحسن إليه متبديًا إن لم يريد، ما فعل إلا الإحسان.

قيل: هكذا كان يكون، ولكنه لما كان عدلًا أراد أن يظهر عدله، بأن يوجب للعبد الحق، ثم يجزيه بحسنة عشرًا أو أكثر، فيكون أظهر عدله وفضله معًا، كما أنه تعالى خلق ليظهر قدرته، وأعطى ما خلق العقل ليعرف نفسه إليه. وكذلك أوجب الحق للعبد ثم قصه، ليعرف بذلك عدله وفضله.

فإن قال: ولم كان هذا؟ وماذا لو لم يخلق أحد، فلم يعرف أصلًا: قيل: لا شك إن العقل يدل على أن القديم إذا كان له من المدائح ما قد عرف. فإن يكون له من يعرفه

<<  <  ج: ص:  >  >>