للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الكفار فليس أمرهم بخارج من أن يكون عقوبة لهم، لا تتضمن معنى التمحيص لأنه لا تمحيص مع الكفر، ولو أسلموا في تلك الحال لصار لهم تمحيصًا. وكذلك التعويض للثواب إنما يقع لهم بشرط الإيمان فيفسدونه على أنفسهم بترك الإيمان. كما أن جعل من ذلك للمؤمنين تعويضًا للثواب، إنما يكون ذلك بشرط الصبر والاحتساب. فإن جزعوا وقالوا لا ينبغي لهم أن يقولوه، أفسدوه على أنفسهم، وليس إقبال العبد النعمة على نفسه بدافع أن يكون الله تعالى قد أنعم عليه، كما أن الواحد منا قد ينعم ببعض ما عنده على آخر فيعيده على نفسه ببعض ما يفسد به مثله، فلا يدفع ذلك وجود الأنعام من الآخر عليه، والله أعلم.

وأما الميتة فليس بخارج من وجوه الأنعام لأنها تخلص المؤمن من دار المحنة، وتريحه من الجهد، وتؤمنه من الخوف، وتصيره إلى ما أعد الله من حسن المآب وجزيل الثواب. وأما الكافر فإنها تقطعه عن ازدياد المآثم والأوزار والاستكثار من الجرائم والاصار.

فهي إذًا لكل واحدة منهما نعمة والله أعلم.

فإن قيل: لو كانت نعمة للكافر لأنها تقطعه الآثام، لوجب أن لا تكون نعمة للمؤمن لأنها تقطعه عن الحسنات.

قيل: إن المؤمن إذا انقطع عن الحسنات فقدم قدم منها بالحجارة عن النار، ونورده من النعيم على ما له في أيسر اليسير منه كفاية، والكافر لم يقدم إلا السيئات فإذا انقطع عن ازديادها، استفاد بذلك أن لا يزاد العذاب عليه. فالميتة إذًا خير له وليست بشر للمؤمن وأما التخلية من العناد والخطايا، فكلا أن تكون واقعة من الله تعالى، لأنه قد نهى وتوعد العذاب ووصفه بما يحذر ويرهب منه، فأنى يكون مع ذلك تخليه؟

فإن قيل: فهلا أعجز عن الخطيئة؟ قيل: لو أعجز عنها لم يكن العبد ممتنعًا عنها، ولم يكن ذلك العجز له عبادة، ولم يقض عنه من حقوق الله تعالى حقًا.

فإن قيل: فلماذا يعقد وهو غني عن أن يعبد قيل: لأنه عرض العبد لما يعبده للثواب. فإن قيل: وماذا كان لو أحسن إليه واجتباه من الخير ما أراد من غير أن يتعبده قيل هذا المتكلمي: الإسلام طريقان: أحدهما لا سؤال في مثل هذا الموضع، لأنه إنما يرجع

<<  <  ج: ص:  >  >>