الله تعالى. ثم التيسير لها نعمة يجب شكرها بالقلب واللسان، فمن جملة شكرها الاغتباط بها، وسيأتي ذكرها في باب مفرد إن شاء الله.
فصل
ومن جملة الدلائل على ما مضى من وجوب الشكر، قول الله عز وجل في ذكر يوم الجمعة:{ثم لتسألن يومئذ عن النعيم}. ومعلوم إن المسألة عن النعيم هي المسألة عن شكرها، لأن الله عز وجل جعل هذه الأموات وغيرها من كفايات الأبدان، وما يزيد على الكفاية مما يزاد به النعم، والتلذذ أسبابًا لقوام الأبدان، وبهجة النفوس وانبساط القلوب حتى تتأتى عبادة الله تعالى بباطن البدن وظاهره على التمام، فلا يقع من خارجة بها نجس، ولا يلحقها بسبب من الأسباب وكسر. فصارت إذا أعواضًا إلا إنها أعواض معجلة.
ومعلوم أنه ليس في تعجيل العوض ما يسقط الحساب عن كاهله لسببين: إنه خرج من عهده ما كان يلزمه في معاملة المقبوض، أو لم يخرج. فصح إن كان من أنعم الله عز وجل عليه نعمة مما ذكرنا، فجعله بها متهيأ لنوع من العبادة التي خلقه لها، وأمره بها. فإنه يسأله عما قابل تلك النعمة من تلك العبادة. وإن السؤال عن ذلك حقه، إلا أن يعفو عنه وبالله التوفيق.
وقد ذهب بعض السلف إلى أن الله عز وجل لا يسأل العبد عما لا تقوم الأبدان بأقل منه. وتجل ذلك عن سفيان بن عيينة زعم أن الله تعالى أسكن آدم الجنة، فقال له: إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحي، فكانت هذه الأشياء الأربعة ما يسد به الجوع، وما يدفع به العطش، وما يسكن له الحر والبرد، ويستر به عورته لآدم صلوات الله عليه بالإطلاق، بأن لا حساب عليه فيها، لأنه لا بد له منها. وقد يحتمل تأييد ما قال، بأن الله عز وجل أباح آدم ما زاد على هذه الكفارات، فصح إنه لم يخفض أدنى الكفاية بالذكر، إلا ليؤمنه من حسناتها. وليس هذا بالدين لما سبق