ذكره، ولأن الآية يحتمل أن يكون أريد بها الامتنان على آدم بما جعل دافعًا لضروب الأذى التي لا تقوم عليها الأبدان، لأن موضع النعمة أعظم منه بما لا يكون وقاية للأبدان وإنما هو لذة ونعمة. فذكرت هذه الأشياء لهذا لأنه لا حساب عليه بها. ويحتمل وجهًا آخر بين هذا، وهو أن يكون المعنى: إن ذلك أن لا تتأذى بالجوع والعطش لما تحتاج من المصابرة عليها إلى أن تجد ما تدفعها عنك. ولا مصابرة الهواء أو الحر إلى أن تجد ثوبًا تلبسه، أو كنًا تأوي إليه، لكن عليك في عامة هذه الأبدان مزاجة، فلا عليك منها أذى من جوع ولا عطش، ولا من عري ولا ضحي قط، ولا طرقه، فإنما ذكرت هذه الأشياء على هذا المعنى لا نيل ما ذهب إليه سفيان.
فصل
قد ذكرنا من حكم نعم الله تعالى، وما يجب على العباد من شكرها ما يسره الله بفضله لنا. ونقول: إن شكر المنعم أمر لم يختلف العقلاء من المبتدئين وغيرهم في استحسانه، فكل منعم فله من أنعم عليه أن يشكر نعمته. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من أولت إليه نعمة فليشكرها فإن لم يقدر فليظهر ثناء حسنًا). وهذا يدل على أن الشكر المذكور في هذا الحديث أريد الفعل. ولولا ذلك لم يقل (إن لم يجد) أو (فإن لم يقدر فليظهر ثناء حسنًا).
فقد يجوز أن يكون شكر النعمة إذا كانت النعمة فعلًا، إحسانًا مكان إحسان حتى إذا لم يتيسر قام الذكر والثناء والبشر مقامه. وإذا كان الذكر والثناء جزاء فالدعاء الصالح إلى ذلك أقرب وبه أحق. روى أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، إن الأنصار فضلونا، فإنهم آوونا وفعلوا كذا، وفعلوا كذا ... فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(تعرفون ذلك لهم، قالوا: بلى: قال: فإن ذلك شكر، لأن التحدث بالنعمة شكر لمسديها ومصطنعها).