وقال عز وجل:} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين {. ينادي المؤمنين باسم الإيمان يحركهم بذلك على أن يكونوا مع الصادقين. فإذا كان الكون مع الصادقين من الإيمان بهذه الدلالة فالأولى أن يكون الصدق نفسه من الإيمان.
وجاء في الأخبار: الكذب بجانب الإيمان، وفي هذا تحقيق ما دلت هذه الآية عليه. وما بينته: أن الكفر كله كذب. فثبت أنه بجانب الإيمان. وعنه صلى الله عليه وسلم:(تمام إيمان العبد أن يصدق في كل حديث). وعنه صلى الله عليه وسلم. (إذا كذب العبد تباعد عنه الإيمان). وقال صلى الله عليه وسلم (علامات المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان). وهذه الثلاث إذا تؤملت كان مرجعها جميعا إلى الكذب، وإنما يقع الفرق بينهما في أوصاف الكذب، فإن الكذب في الحديث أن يخبر الواحد عن شيء خلاف ما كان عليه. وإخلاف الوعد أن يقول: أفعل كذا فلا يفعله، أو يقول: لا أفعل كذا فيفعله. فيغلب قوله الأول عند مخالفته إياه بفعله كذبا. والخيانة فيما أؤتمن عليه أن يلتزم الأمانة ثم لا يؤديها، فيصير عند الخيانة التزامه كذبا، والكذب في قول يلزم به نفسا شيئا أغلظ منه في وعد لا يلزم به نفسا شيئا. فجعل بهذا أن علامة المنافق ظهور الكذب وغلبته على كلامه. وإذا كان الكذب من النفاق، فقد وجب أن يكون الصدق من الإيمان. وقد قال الله تعالى فيما وصى به نبيه صلى الله عليه وسلم:} ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا {. وذلك أن يقول الرجل: سمعت أو رأيت أو علمت، فأبان الشرع أن إطلاق شيء من ذلك دون حقيقة بتأيدها الخبر، حرام ممنوع. وقال تعالى:} يا أيها الذين ءامنوا، لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون {. فأبان أن خلاف الوعد خلاف ما يوجبه الإيمان، وإن كان نصير قول قد مضى كذبا غير لائق بالإيمان، فابتداء الكذب أولى أن يكون غير لائق به.