وهذا من الله تعظيم الكذب العبد، وافترائه عليه. ثم إن الكذب جرى مجرى الظلم والجهل والسفه، ألا ترى أن من كذب الله في أخباره، كما أن من ظلمه في أحكامه، وجهله بمواقع الضرب والنظر، أو سفهه في تدبير خلقه كفر، وإذا كان كذلك كان الكاذب فيما يستحقه من الذم البليغ والعقاب الأليم كالظالم والجاهل والسفيه، ووجب إذا كان الكذب في مجانبة الإيمان كهذه القرائن أن يكون الصدق من الإيمان، كما أن الظلم لما كان مجانبا للإيمان، كان العدل من الإيمان والله أعلم.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ينزل منزلة الكذب على الله، لأن تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم كتكذيب الله تعالى في أنها جميعا كفر، فكذلك الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كالكذب على الله تعالى في أنه أغلظ من سائر الكذب، وإن كان الكذب كله حراما قبيحا.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من كذب على عينيه ...) وسنذكر هذا في موضعه. وقال أبو بكر رضي الله عنه: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته على المنبر، فقال:(إن ابن ءادم لم يعط شيئا أفضل من العافية، فسلوا الله العافية، وعليكم بالصدق والبر، فإنهما في الجنة، وإياكم والكذب والفجور فإنهما في النار).
وعن علي رضي الله عنه قال: كنت إذا حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب، وسمعته يقول:(يكون في آخر الأزمان أقوام أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، لا تجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية). وجاء:(من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين) وليس معنى هذا- والله أعلم- أن ذلك عذابه وجزاؤه، ولكن يكون لهم شعار يعلم به من يراه أنه كان يزور الأحلام في الدنيا، وذلك العقد بين