وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما تبينت ولا تعنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن محمد بن المنكدر رضي الله عنه قال: فقال: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو وعن أمر الشياطين، احلوهم رياض المسك، وأخبروهم إني قد حللت لهم رضواني.
فإن قال قائل: ألا قلتم أن الغناء بالإطلاق مباح، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندنا جاريتان يغنيان في يوم عيد، وعندهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاهما. فدخل علينا أبو بكر رضي الله عنه فانتهرهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(دعهما، فإن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا).
فقيل لهم: إن الغناء إذا كان أصنافا، ولم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم قول أن الغناء حلال: وإنما كان الذي يروي حكاية حال لا تليق بها العموم، لم يكن يعرف منه، إن ذلك الغناء ما كان يستدل بالحديث على جوازه، وعلى أنه قد روى في حديث آخر، أن ذلك الغناء كان ما قيل في يوم قتل صناديد الأوس والخزرج. ولسنا نذكر أن يكون المعنى بمثل هذا الشعر جائزا. وإنما الكلام فيما سبق وصفه، وذلك ما لم يثبت جوازه.
وقد روى أن جواري كن يلعبن في شكل المدينة، وهن يقلن عن جواري من بني النجار يا حبذا محمد من جار. والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر ويبتسم. فما كان من نحو هذا فلا بأس به، وما فوقه أيضا لم يكن بالحد الذي سبق ذكره.
ثم جاء في شر المغنيات ما فيه الشقاء والبيان بحكم الغناء، فمنه ما رواه عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم المغنية سحت، وغناؤها حرام، والنظر حرام، وثمنها مثل ثمن الكلب، وثمن الكلب سحت، ومن ينبت لحمه من النار قال النار) فيحتمل أن يكون الحديث في المغنية بالأوتار، فقال غناؤها حرام، إشارة إلى غنائها المعروف وهو الذي سوت إليه إحدى الآلات التي سبق ذكرها من الملاهي، ونظر إليها في تلك الحال.