للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا درة، ولا إدخال إيلام على نفس محرمة بغير حق، لأن ما كان كله ممنوعا بمعنى، كان بعضه ممنوعا بذلك المعنى، إلا أن يفرق بين الكل والبعض دليل. ألا ترى أنه إذا لم يجز لأحد أن يتقدم دار رجل وينقضها ويحرقها، لم يجز له أن يأخذ منها حجرا أو مدرا أو خشبا، أو ما قل أو كثر، وإذا لم يجز له أن يدخل حائطه فيقطع أشجاره أو يقلمها من أصولها، لم يكن له أن يأخذ منها غصنا صغيرا أو كبيرا أو ورقا أو ثمرا. هذا ومعلوم أن نفس كل أحد أقرب إليه من نفس غيره، فإذا لم يكن لأحد أن يقطع من نفسه طرفا، أو يدخل على نفسه ألما من غير حق، فأولى أن يكون ذلك في غيره. والحق في القتل هو القصاص، وفي الأيدي والرجل سوى القصاص لا شيء فيه.

وأما الضرب فلا يستحق قصاصا، ولكن للمالك أن يؤدب به مملوكا وللزوج ذلك في زوجته وللوالد في ولده، وكل ذلك بقدر لا تحل مجاورته فيه إلى ما يسبق، أو يذر دما أو يرجع وجعا مبلغا، وللسلطان ذلك فيمن أتى منكرا لأحد فيه، ولا يبلغ بضرب في غير حد ضرب الحد، لأنه يروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله من بلغ حدا في غير حد) -والله أعلم.

وكما لا يحل الضرب بغير حق لما فيه من الإيلام، وكذلك الحبس بغير حق حرام، لا يحل لما فيه من غم النفس وإكرابها وإدخال الأذى والضيق عليها. وذلك نظير الضرب.

والتعزيز وحبس الساعي في الأرض بالفساد إلى أن يظهر توبته، وكما لا يحل الحبس بغير حق، فكذلك النفي والإجلاء عن الوطن بغير حق لا يحل، لأنه أخو القتل وقرينه، قال الله عز وجل:} ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم {. فقرن الإجلاء عن الوطن بقتل المرء نفسه. وقال في بعض:} ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب النار {. فأخبر أنه أسقط عنهم عذابا عجلا كانوا يستحقونه بما كتبه عليهم من الجلاء، فثبت أن

<<  <  ج: ص:  >  >>