للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا {.

ثم الزنا بحليلة الجار، فيها ورد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أكبر الكبائر، الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين، وقتل المحصنة، والزنا بحليلة الجار). وهذا مما عظمه الله تعالى من حق الجار، كما عظم من حق الوالد. وقد تقدم ذكر كل واحد من الحقين في بابه.

وكما لا يحل الزنا ويكون ارتكابه من الكبائر، فكذلك إتيان الذكور حرام، لم يختلف المسلمون في تحريمه، وإنما اختلفوا في وجوب الحد على مرتكبه، والذين رأوا عليه الحد، اختلفوا في حده، فقال بعضهم: هو كالزنا. وهذا وجه من غيره. وقال آخرون: حده القتل بكل حال، سواء كان الزاني بكرا أو محصنا، ولعل من حجتهم أن هذا الصنع لا مدخل لعينه في شروط الإحصان، ولو بطل اشتراط الإحصان لقتل فاعله، لأنه لا مدخل لعينه في شروط الإحصان، لبطل القتل به أصلا، لأنه إنما يقتل به قياسا على القتل بالزنا. فإن كان ذلك يصح مع ما فيه من إلغاء شرط الإحصان، فليقل أن هذا الصنع ليس من نوع صنع الزاني، فلا يقاس عليه في إيجاب القتل به.

وأيضا فإنه إذا كان إنما يقتل قياسا على الزاني، فليس كل زان مقتولا، فكذلك كل من فعل هذه الفاحشة ينبغي أن يكون مقتولا والله أعلم.

ويجوز أن يحمل على شرط الإحصان بالقياس. ومن رأى هذا الرأي فإنما يذهب إلى أنه ليس يتعاطى هذه الفاحشة شبيه قوم لوط، أولئك لم يلحقهم من العذاب الغليظ ما لحقهم لتعاطي هذه الفاحشة أو مثلها فقط. ولكن الأصل في تعذيبهم كان الكفر بالله عز وجل، وتكذيب نبيهم لوط صلوات الله عليه، وهجمتهم على بيته ليلة جاءته الملائكة، وإنذارهم إياه، وإشاعتهم الفواحش، واجتراؤهم عليها ومجاهدتهم. فتغلظ بهذه اكتساب كفرهم، وتغلظت بذلك عقوبتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>