وإذا كان هذا هكذا، لم يكن أن يقاس عليهم من ارتكب فاحشة من جملة ما كانوا يرتكبونه ولم يكفر بالله تعالى ولا كذب أحدا من رسله، ألا ترى أن الله عز وجل قد أخبر عنهم أنهم كانوا يأتون في ناديهم المنكر. وقد جاء في تفسيره ما قد جاء.
ثم لا يجوز أن يعاقب من فعل ذلك مقتصرا عليه بأن يطرح من بنيان عال، وتقطع أوصاله ويموت، فكذلك هذا والله أعلم.
وإذا كان إتيان الذكور حراما، فإتيان البهائم أفحش منه وبالتحريم أحق. فقد اختلف في ذلك فقيل: إنه زنا، وقيل: ليس بزنا. ومن قال هو زنا جعله كالزنا بالنساء في الحد. ومن قال. ليس بزنا، رأى فيه التعزير.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من نكح بهيمة فاقتلوه) وقد يجوز أن يكون ذلك منسوخا بقوله: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير حق) والناس لا يعرفون وطئ البهيمة زنا، ألا ترى أنهم لا يسمون البهيمة زانية، وإن كانت طاوعت رأينا فكذلك الفاعل بها لا يكون زانيا ولا يقتل. وهذا الحديث والله أعلم.
وإذا كان جميع ما وصفنا حراما، فإن نكح الرجل يده حرام. ألا ترى أنه إذا حرم عليه أن ينكح ذكرا كان التلذذ بجميع أعضائه في التحريم كالمباشرة الكبرى فأولى أن يكون نكاح يد نفسه حراما عليه. فإن نفسه أولى النفوس بأن يحافظ على حرمتها ويحميها بما نقص منها.
قال الله عز وجل:} قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون {. وقال:} والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين {. وهذا ليس بواحد منها.