ولا يجمع في الأكلة الواحدة بين الألوان الكثيرة بذخا ويسرا، فإن أراد بذلك استصلاح بدنه فلا بأس. وكل ما كان من فعل أهل النعيم وأهل الترف في باب الطعام فهو مذموم، وذلك مثل المبالغة في نخل الدقيق حتى لا يبقى إلا لبابه فإنه روي أنه لم يكن لهم في بيت النبي منخل، إنما كانوا يطحنون الشعير ثم ينقحونه فيطير قشره عنه، أو كما قيل: وكذلك الجمع في القدر الواحد من لحم النعم ولحم الطير، والجمع في العصيدة بين التمر والعسل. هذا كله سرف غير محمود، قال الله عز وجل:} وكلوا واشربوا ولا تسرفوا {. إلا أن يجمع جامع بين شيئين أو أشياء ليعدل بعض ذلك ببعض، فيوافق طبعه بذلك الغائلة التي كان يخشاها من أحدها لو أفرده.
يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال:"لو شئت دعوت فضلا وفتات وصلائق وقراقيز واشتمه، وأملا دفعه ما ذكرنا من أطايب الطعام" وذكر أنه لا يدعو بها ولا يقصد قصدها لئلا يكون من المتنعمين. ويروي أنه قال: لو شئت أن يدهمق لي لفعلت، ولكن ذكر أقواما يقول الله عز وجل لهم:} أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا {.
وهذا من عمر رضي الله عنه: من الحسن الذي كان يبعثه عليه يمكن حسنه الله تعالى من قلبه، فكان إذا هم بشيء غلبت الزواجر عنه الدواعي إليه على قلبه. وهذا الوعيد من الله وإن كان للكفار والذين يقدمون على الطيبات المحظورة، ولذلك قال:} فاليوم تجزون عذاب الهون {فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة لأن من تعودها مالت نفسه إلى الدنيا، فلم يؤمن أن يرتبك في الشهوات والملاذ، كلما أجاب إلى واحدة منها دعته إلى غيرها. فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط. وينسد باب العبادة دونه إذا آل به الأمر إلى هذا، لم يبعد أن يقال:} أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها، فاليوم تجزون عذاب الهون {فلا ينبغي أن تعود