خبر عن عائشة رضي الله عنه فيما أرى يطلب في تفسير قوله:} قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما {من كتاب الشيخ رخمن، ولا ينبغي لأحد أن يعيب طعاما يصنع له ويقوم غليه. فقد روى ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، وكان إذا اشتهى شيئا أكله، وإذا كره شيئا كرهه. وهذا -والله أعلم- إذا عاب الرجل الطعام نفسه. فأما إذا أعاب صنعة الصانع له ليعلمه مواضع التقصير فيحفظ منها في المستأنف، ولم يعنف عليه، ولم يسمعه ما يكره، فلا حرج في ذلك والله أعلم.
ولا أن يجعل ترقيق الطعام عادة له، فإن بدنه إذا نعم، نعم نفسه، وثبت على العناء والنصب، وأبت عليه إلا الخفض والدعة. ولأن ما يلزمه من الشكر لذيذ العيش يغلظ ويكثر، وعسى أن لا يروي شكره.
ويروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان كلما قرب طعامه اعتزل رجل من أصحابه فلم يأكل معه. فقال عمر رضي الله عنه: ما يحملك على هذا؟ قال: إن طعامكم طعام حسن، وإني إذا انقلبت إلى أهلي وجدت طعاما، ماء اللبن منه. فقال: أترونني أعجز أن آمر بصاع من دقيق فينخل في ثوب، حتى إذا خرج لبابه، خبز لنا منه خبز رقاق، ثم آمر بشاة فتشوى ثم آمر بصاع من زبيب فيجعل في سقاء، حتى إذا صار كأنه دم الغزلان، أكلنا من ذلك الخبز وذلك الشواء وشربنا ذلك النبيذ. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، وما أراك إلا عالما بلذيذ العيش. فقال عمر رضي الله عنه: أما- والله- لولا اذكر من شدة الحساب لشاركتكم في لين عيشكم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم:(سيكون بشر من أمتي يولودون في النعيم، ويعدون به همهم ألوان الطعام، وألوان الثياب، يتشدقون بالقول، أولئك شرار أمتي) فالذي يعقل من هذا أنه لا يجعلهم شرار الأمة، لأنهم ولدوا في النعيم وغذوا به، ولكن كانوا مترفين لا يطيقون احتمال نصب العبادة من لين عيشهم، فصارت نفسه مرفهة بشكر النعيم. ولولا أن واحدا من الناس ترك شكر نعمة نزلها إليه مثله، لكان مذموما ملوما. فما الظن فيمن يدع شكر نعم الله عليه، ويكسل عما يلزمه من أدائها إليه والله أعلم.