وأما إذا كان اللحم لم يتكامل نضجه، وكان صلبا، فلا بأس أن يقطع بالسكين. وهكذا إن أكل الرجل مع غيره، فكان كل واحد منهما لا بأس أن يكره صاحبه آثار أصبعه التي يأكل بها أن يغوص بها في اللحم، فأمر بتقطيعه. فهذا عين ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقطع الخبز بالسكين لنهي النبي صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن يكون هذا لأنه من فعل الأعاجم والمترفين. ويحتمل أن يكون النهي عن أن يقطع شيء به، لأن الهشم يكون أنعم وأشد تشربا للمرق من المقطوع، ويحتمل أن يكون لأنه تكليف غير محتاج إليه. لأن الكسر يغني عنه. وإنما يحتاج إلى السكين حيث لا يقوم غيره مقامه.
ألا ترى أن إلقاء الحوت إلى البر لما كان كافيا لركوبه لم يحتج معه إلى استعمال الحديد، فهكذا هاهنا. وينبغي إذا فرغ من الطعام وفي أطراف أصابعه بقايا من الطعام أن يلعقها، أو يلعقها صبيا أو صبية، أو من يعلم أنه لا يتقذرها من زوجته أو أمته. فإن الذي بقي على أنامله من الطعام لا يجوز تضييعه. فإن غسله أو مسح به منديلا فقد ضيعه. ويروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسحن يده بالمنديل ولا بالثوب حتى يلعقه، فإنه لا يدري في أي طعام. يبارك له). فأما ما يؤكل عليه، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بطعام فقال:(ضعه بالحضيض، فإنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد). وعنه:(الأكل على السفرة، ولا بأس بالأكل عليها وعلى الموائد). فإن الحواريين لم يقولوا لعيسى عليه السلام: هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء إلا وعاد بهم الأكل على الموائد، ولم يزل ذلك عادة جارية، لا يعلم أن أحدا أنكرها. وروى عن أصحابه الأكل على الموائد، ودل على إباحته.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم:(إذ أكل أحدكم طعاما فسقطت لقمة فليمط رابه منها، ثم ليطعمها فلا يدعها للشيطان). ومعنى هذا، لا يدعها فيفرح الشيطان بما نقص من طعامه، فإنه عدو له، يسره ما يسوءه.