فأما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله:(البذاذة من الإيمان) فإنما هو-والله أعلم- أن لا تقعده البذاذة من الطاعات، فلا يمتنع إذا ساءت حاله عن الجماعات والجمعة، ولا عن مجالس العلم لأجل رثاثة كسوته وسوء هيئة لباسه. ولكنه يصير على ما هو فيه، ويحمد الله عليه، ولا يستشعر منه خجلا وحياء، فذلك إن شاء الله هو الإيمان دون الرثاثة نفسها، واالله أعلم. ولا ينتعل أحد وهو قائم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك. وقال يحيى ابن أبي كثير: إنما كره ذلك من أجل العنث والعنث الضرر، فيحتمل أن يكون المرا أن لا تزل قدمه خلال اللبس فيسقط. وهو عبارة عن اشتمال الضفاء في اللباس، فقد وري نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اشتمال الضفاء عند العرب. أن يشتمل الرجل بثوبه، يخلل به جسده كله، ولا يرفع منه جانبا، فيخرج منه يده وإنما ينهي عن هذه الهيئة قال: قد يصيبه شيء فيحتاج فيه إلى يديه فلا يقدر عليه لإدخاله إياهما في ثيابه. وقال الفقهاء: هو أن يشتمل بثوب ليس على غيره، ثم يرفع أحدهما بينه، فيضعه على منكبيه فتبدو منه فرجة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسدل عمامته بين كتفيه. وفي حديث آخر. كان يعتم ويزجي العمامة من خلفه، فلا يلبس رجل شيئا من ثياب النساء، ولا تلبس المرأة ثياب الرجال يتبذخ بذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لعن الله المتشبهين من الرجال بالنسا، والمتشبهات من النساء بالرجال). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا لبس حدكم نعليه فليبدأ باليمنى، وإذا خلعهما فليبدأ بالشمال وليخلعهما جميعا أو لينتعلهما). ووجه الابتداء بالشمال عند الخلع أن اللبس كرامة، لأنه للبدن وقاية. فلما كانت اليمنى أكرم من اليسرى بدئ بها في اللبس، وأخرت في الخلع، لتكون الكرامة لها أدوم وحظها منها أكثر.
وأما نهيه صلى الله عليه وسلم أن يمشي الرجل في نعل واحدة، وقوله:(لينتعلهما جميعا أو ليحفظهما جميعا). فقد يحتمل أن يكون وجهه إن ذلك معنى المسألة، كما لو لبس خفا أحمر، وخفا أسود، ونعلا عربية، ونعلا أعجمية. أو خضبت نصف لحيته وترك نصفها، أو حلق بعض رأسه وخرج كذلك على الناس حاسرا. لكان هذا كله من باب يلعب الرجل بنفسه