بفضل، لأن الإسراف ليس يقع في الثمن قط، ولكنه إذا أعطي من السلعة ما لا يبلغه الثمن فقد أسرف في البيع وبذر، كما أخذ منها ما لا يبلغ الثمن وينقص عن مقداره، فقد أسرف في الثمن وبذر. قال ابن عباس في قول الله عز وجل:} ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل {قال: الرجل يشتري المتاع فيرده، ويرد معه دراهم، وكل هذا ممنوع. وهذا الوجه هو الموجب للحجر. وكذلك الإنفاق في الملاهي والشهوات المحرمة من التبذير الموجب للحجر والوقف.
وأما الوجه الذي قبل هذا، وهو أن يشتري الرجل طعاما أكثر من حاجته أو لباسا أو خادما أكثر من حاجته، فليس هذا من السرف الموجب للحجر والوقف، لأنه يستبدل بالملك ملكا يوارثه. وإنما يقع الإسراف منه في الانتفاع بما ملكه. فأما التملك فإنه قصد بغي فيه ولا سرف.
وجاء في الاقتصاد في الإنفاق:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتري الخدر). وقد يحتمل أن يكون الإسراف فإن وجه الأرض إنما يشتري لأن الأقدام قد تنقل إليه ما يحتاج إلى التحرز منه. وقد يصر فيتعلق غباره بالثوب فينسج منه. وليس ذلك في الجدار، لأن الأقدام لا تبلغه، ولا يكون في الغالب عليه من الغبار اللاصق بالثوب ما يكون على وجه الأرض. فكان يتميزه داخلا في الإسراف إن كان لا يزاد إلا بالتنعم دون الحاجة.
ويحتمل الحديث وجه آخر، أرى أنه أولى من هذا، وهو أن يكون النهي عن ستر ظواهر الحدود دون البواطن التي تلي موضع الشكر. ويكون وجه النهي إن هذا شيء خصت به الكعبة تعظيما لها لأنها بيت الله فلا تشبه غيرها بها. ولا يسرك غيره فيما هو حقها فيذهب بذلك تكريمها وتعظيمها. وعن الحسن قال: بينما مجاشع في المسجد إذ جاءه رسول من عمر رضي الله عنه: أما بعد فإنه قد بلغني أن الحصير قد سترت، فإذا جاءك كتابي هذا، فلا تضعه من يدك حتى تهتك ستورها. فقال لمن حوله: قوموا فانطلقوا، فتلقته امرأته. فقال لها: إليك عني إمضينني أمضك الله، ثم قال لمن معه: هتك رجل ما يليه. قال: فهتكت ستورها حتى وضعها إلى الأرض.