للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقول القائل: عندي أن فلان ابن فلان معي، إلا أن الذي أعلمه من نسبته أنه ابن فلان. ولا يقول القائل: عندي أن هذا حلال إلا أن الذي أعلمه من حكمه أنه حلال. ولا يقول القائل: عندي أن هذا الجاني زيد، إلا أن الذي أعلمه منه أنه زيد، وكل ما يليق به علم وعند، فمعنى أحدهما فيه معنى للآخر.

ثم قال له: ما تريد بقولك عند تتغير! فإن ذلك أريد به أنه يجوز أن يكون زيد عنده اليوم مؤمنا، أما بعلمه مؤمنا فلابد من نعم. فقال له: ما الفرق بين علم وعند؟ ويقال له: إن كان العلم لا يتغير، فعند لا تتغير! فإن قال: كيف لا يتغير ويكون الشيء عنده على وجه، وهو بعينه في وجه آخر عنده على غير ذلك الوجه. قيل: فكذلك يعلم الشيء وقتا على وصفه، ويعلمه في وقت آخر على خلاف تلك الصفة. فإن قال: علمه لا يتغير، وإنما يغير المعلوم قبل، فقل إن عندكم تتغير وإنما تغير ما عنده وليس بينهما فرق.

فصل

والعدل بين هذه المذاهب أن المؤمن لا ينبغي له أن يمتنع من تسمية نفسه مؤمنا في الحال، لأجل ما يخشاه من سوء العاقبة نعوذ بالله منه. لأن ذلك وإن وقع وحبط ما تقدم من إيمانه، فليس ينقلب الموجود منه معدوما من أصله، وإنما يحبط آخره ويبطل ثوابه. وذلك الذي لا يحبط لا يخلو من أن يكون قبل أن يحبط موجودا لفقد كان مؤمنا إذا قبل أن يزيد، وإن حبط بالرقة إيمانا فلا معنى لاستثنائه، ولو كان سوء العاقبة وما يخش منه معتبرا في هذا الباب لم يعلم أحد من الذي خاطبهم الله تعالى باسم الإيمان، فقال: {يا أيها الذين آمنوا} و {يا أيها المؤمنون} أو يخبر عنهم فيقول: {إن المؤمنون والمؤمنات} أو {إن الذين آمنوا} ولم يوقف على أنه مراد بخطابه لدحره، لأن كل واحد منهما إذا كان معلقا باسم الإيمان، وكان اسم الإيمان بين أن يثبت أو يزول مما دام إمكان الأمرين فيه قائما فلا سبيل إلى القطع بواحد منهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>