وفي تعذر إزالة الحكم أو الخبر المعلق به عن كل فرد من أفراد المؤمنين، فوجب أن يكون القول في الكافر كالقول في المؤمن، ففي هذا إبطال خطاب الله تعالى من أصله، لأنه: إما للمؤمنين وإما للكافرين. فإذا لم يكن أن يعرف المؤمن ولا الكافر لأن المؤمن يعرض أن يكفر فيحبط ما مضى من إيمانه، ويتبين أنه لم يكن مؤمنا إذ قد حبط إيمانه من أصله. والكافر يعرض أن يؤمن فيحبط ما مضى من كفره، ويتبين أنه لم يكن كافرا، إذ قد حبط كفره من أصله، فليس في الدنيا مؤمن يعرف بعينه، ولا كافر يعرف بعينه، وتعطيل خطاب الله تعالى بواحده، وما أدى إلى هذا فبين أنه فاسد لأجل القول به.
ويقال لقائل هذا القول: أرأيت من سئل فقيل له: إنسان أنت، هل يجوز أن يقول: لا؟ لأنه يستيقن أنه صائر ترابا، والتراب لا يكون إنسانا! فإن كان المؤمن لا ينبغي أن يسمي نفسه مؤمنا بالإطلاق لأنه يشك في عاقبة أمره، ويخشى أن يصير فيها إلى غير الإيمان، فالإنسان الذي يستيقن أنه صائر ترابا أولى أن لا يطلق اسم الإنسان عليه.
فإن قال: أنه وإن صار غدا ترابا، فلا يخلو اليوم من أن يكون إنسانا.
قيل: والمؤمن إن صار غدا كافرا فلا يخلو اليوم من أن يكون إنسانا، قيل: والمؤمن إن صار غدا كافرا فلا يخلو اليوم من أن يكون مؤمنا، ولولا أنه مؤمن اليوم ما أمكن أن يزيد عنه إذا كان مؤمنا أصليا، فكيف يزيد عنه وهو ليس فيه؟ فثبت إذا أنه مؤمن في الحال.
فإن قال: إن ذلك الإيمان يحبط إذا ردفه الكفر، قيل: ينبغي إذا كان الرجل مؤمنا أصليا أن لا تثبت ردته، لأن كل ما أدى إثباته إلى إبطاله فإنه لا يثبت، ويعلم أن ردته، إذا ثبت وقيل أنها أحبطت الإيمان من أصله، فوجب إذا أنزل أنه لم يكن مؤمنا قط، أن لا يثبت منه الانتقال عن الإنسان إلى الكفر وإذا لم يثبت هذا، فالردة إذا لم تكن، وفي إجماع المسلمين على ثبوت الإيمان قبله. فبان بهذا أن الكفر إذا طرأ على الإنسان قطعه من حين وجد، إلا أن ما مضى يحبط آخره لا أن عنه يحبط فيصير كأن لم يكن، وينقلب الموجود منه بالحقيقة معدوما، وإذا كان كذلك لم يصح الاستثناء