للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتمنى أن لا يؤمن فرعون وآله حتى يروا العذاب الأليم. وزاد على التمني إن دعا الله تعالى جده بذلك فلم يضره ذلك شيئًا ولا عاتبه الله تعالى فلا زجره عنه. فدل ذلك على صحة ما أميلناه في هذا الباب.

وإن سأل عمن تمنى أن لو كان نبيًا ما كان حكمه؟ قيل له، أما إن تمنى أنه لو كان في ذلك الوقت نبيًا لكان هو ذلك النبي فإن هذا لا يضره. وهكذا لو تمنى إن كان الله تعالى قدر أن يكون من جملة أنبيائه، ولو تمنى رجل في زمن نبي من الأنبياء أن لو كان هو النبي دون الذي هو نبي بالحقيقة، كفر. وهذا سوء رأي منه في ذلك النبي. وإن تمنى في زمان نبينا صلى الله عليه وسلم وبعده إن لو كان نبيًا كما ذكرت.

ووجه آخر وهو أنه يتمنى إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شرف ختم النبوة وهذا كفر.

فإن قال قائل: قد كتبتم بابًا في أن من الإيمان أن يحب المرء لأخيه المسلم ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه، فانتظم هذا أن لا يحسده، ولا ينطوي على غل له. فما معنى إفراد باب آخر لترك الحسد والغل؟

فالجواب: إن ذلك الباب إنما هو في أن يحب المرء لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير فيسعى له فيه ليحصله لمن أراد ذلك منه، واستسعاه فيه، ولا يسعى في خلافة عليه ويكره له ما يكره فيه لنفسه من الشر، فيسعى له في دفعه عنه لمن أراد ذلك منه، وأظهر له الرغبة فيه، ولا يسعى في خلافه عليه. وهذا الباب مقصود على التمني دون الفعل، وهذا فرق ما بين الناس.

وأما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله علمًا وهو يعلمه الناس، ورجل أتاه الله مالًا فهو ينفق منه آناء الليل والنهار). فيحتمل أن يكون المراد به الغيظة، فسماه حسدًا لأنه يقرب منه، وإن لم يكن به. وذاك أن الحاسد يتمنى أن يكون له ما هو للمحسود، والغائظ يتمنى أن يكون له مثله فسمى أحدهما باسم الآخر تشبهًا وتوسعًا. ولا ينبغي أن يتهاجر مسلمان. فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>