فأقتدي بك! قال: يا ابن أخي، إني أبيت وما بنفسي غل لأحد من المسلمين. فقلت: بهذا أدركت الفضل.
وجاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى:(من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي، فليطلب ربًا سواي)، فدل هذا كله على غلظ أمر الحسد مما يكره منه ويذم.
وأما الغل فإن الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة ينزع الغل من صدورهم، فقال:{ونزعنا ما في صدورهم من غل، إخوانًا على سرر متقابلين} فلما كان ذلك مباينًا أخلاق الجنة، ولم يكن في الجنة إلا ما يرضي ويحمد، علمنا أنه مكروه مذموم وللحسد منزلتان. أخفها أن يكره النعمة بمكان أخيه ويغتم منها ويتمنى زوالها عنه. وأغلظها أن يتمنى ذلك الذي يراه عند أخيه لنفسه، وهما جميعًا مذمومان، وقد نص الله تعالى على هذا الوجه الآخر، فقال:{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}. فنهى عن هذا. كما ذم الأول ولا نهي عما فيه خبر. فصح أنهما جميعًا مذمومان. فأما إذا تمنى مثل ما لأخيه فهو غائظ وليس بحاسد. وقد تقدم ذكره.
فإن سأل سائل عن مسلم كان في قلبه غل على كافر من وجه سوى الكفر، فأسلم الكافر فحزن المسلم لذلك ونسي أن كان لمسلم، وود لو عاد فكفر، أيكفر المسلم بذلك أم لا؟
قيل له: لا يكفر بذلك لأن استقباحه الكفر هو الذي يحمله على أن يتمنى له. واستحسانه للإسلام هو الذي يحمله على أن يكرهه له، وإنما يكون تمنى الكفر كفرًا إذا كان على وجه الاستحسان له. ألا ترى أن موسى نبي الله صلوات الله عليه دعا على فرعون فقال: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}.