للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الزنا أغلظ من القذف. فالزنا يدل ذلك على أن الغضب أعلى رتبة من اللعن، فلذلك وضع في موضع التبرؤ من الزنا، واللعن في موضع التبرؤ من القذف. والمعنى في ذلك أن الله تعالى إنما يراد به تمام مؤاخذته وعقوبته، حتى لا يبقى شيء مما يستحق المذنب إلا وينزله به، وليس يراد به ما يراد بغضب المخلوق ولو أراد أن يغيظه ويغيره عما كان عليه إلى حال قلق وضجر، وشيء من هذا غير جائز على الله تعالى، ولا لائق به بغضبه، وإذا كان كذلك وجب أن يكون أغلظ من اللعن، لأن اللعن الطرد، والطرد لا يتحقق مع الإيمان، وإنما يكون من وجه دون وجه، وفي شيء دون شيء فلم يكن القطع بأنه أغلظ من الغضب.

فإن قيل: بل اللعن أشد من الغضب، لأن الله تعالى هو القائل: {وغضب الله عليه ولعنه}. فلما ثنى باللعنة عليه، علمنا أنه لا منزلة وراء الغضب.

قيل: فقد قال في الشهود {من لعنه الله وغضب عليه}. ما يدل ذلك على أن الغضب منزل وراء اللعن، وإلا فليعلم أن المراد بالاثنين اجتماع الأمرين لا ترتيب أحدهما على الآخر والله أعلم.

وكما لا يحل أن نقذف المحصنة البريئة، ولذلك لا ينبغي له أن يقذف غير البريئة قال ذلك يؤذيها ويهتك سترها ويعرضه أيضًا لخصومتها ومطالبتها بالحد، ولعله لا يمكنه تثبيت الزنا عليها فيجلد. وإن كان الزنا قد ثبت عليها فحدث عزر الأذى، فلا ينبغي أن يعرض نفسه للتعزيز، كما لا ينبغي أن يعرض نفسه للجلد، والله أعلم.

ولا يجوز لمسلم أن يقول لمسلم يا كافر. فإنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال لمسلم يا كافر فقد باء بها أحدهما). ويحتمل أن يكون معنى ذلك أنه إن وصف ما عليه بأخوه المسلم بأنه كفر؟ فقد كفر نفسه، ولم يكن على أخيه منه شيء. وإن كان المقول له ذلك يبطن الكفر ويظهر الإسلام، فقد صدق عليه وليس على القائل شيء. وبين الحالتين حالة ثالثة وهو أن يقول له: يا كافر أي يا من تبطن الكفر ولا تظهر به، ولا يكون كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>