وهذه غير مراده بالحديث، لأن واحدًا منهما لا ينوء بالكفر في هذه الحال. ويعذر الرامي ولا يحد، وهذا إن قال له: يا لص! يا شارب الخمر، ويا كذاب، فإنه يعذر في هذا كله ولا يجد، لأن الملامسة يخفى حلالها وحرامها. فيعرض في قلب السامعين عند القذف أنه علم من المقذوف ما لم يعلمه غيره، فذاك والذي حمله على قذفه، ويتغير لأجله حال المقذوف في قلوب السامعين، فكأن القاذف أخذ شيئًا من عرض المقذوف، فلذلك اقتص منه بجلد ظهره. وأما سائر الفواحش فلا يخفها أهلها حياء منها، وإنما يخفى ما يخفى منها احترازًا وتوقيًا من تبعاتها. فمن رمى بشيء منها ولم يكن متعاطيًا له أمكن الوقوف على براءته منه باستبراء حاله، ولا يؤثر رمي من رماه به فيه ولا ينال عرضه منه بشيء، فلذلك سقط الحد عن الرامي والله أعلم.
فإن قيل: إذا كانت الأعراض في التحريم كالدماء والأموال، ثم كان القصاص من الدم بالدم، ومن المال بالمال، فلم لا كان القصاص من العرض بالعرض؟
فالجواب: إن القصاص لا يتحقق في هذا الباب، فلذلك لم يشرع. وتفسيره أن الرجل إذا قال لآخر: يا زاني، فقد نال بهذا القول من عرضه شيئًا، لأن السامعين يرون أنه علم منه ما قال، فلذلك رماه به، فينحط من رتبة المقذوف وتتغير من صورته عندهم بقدر ما رفع في قلوبهم من صدق القاذف عليه. فإذا قال له المقذوف: بل أنت الزاني، لم يقع قوله هنا ذلك الموقع، لأنه يخرج الكلام مخرج المجاراة فيقع للسامعين: أن ابتداء الأول بقذفه هو الذي حملة على ما قال، لا علم كان عنده بشيء بدر من قاذفه.
فلا يتغير من صورة القاذف عندهم بمجاراة المقذوف إياه ما يغير من صورة المقذوف بابتداء القاذف. فلا يكون قذفه قائلًا عن عرضه ما ناله هو بالابتداء من عرضه. ويكون كما جاء إلى قاتل أبيه وهو ميت فجز رقبته، فهو وإن فعل من جز الرقبة به فعل ما فعله هو بأبيه، فلم ينل منه ما نال هو من عرضه أولًا، فلم يكن ذلك قصاصًا والله أعلم.
ولا يحصل أحد أن يعير أحدًا بذنب كان منه، وقد كان التعبير بالزنا عقوبة للزاني