قبل أن ينزل الحد، فلما نزل الحد رفع، وأما التعبير بعد التوبة فلم يكن مباحًا قط. قال الله عز وجل:{واللذان بأتيانها منكم فأذوهما، فإن تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما إن الله كان توابًا رحيمًا}. ولا أن يعيره بحسب مذموم ولا بحرفة دنية ولا بشيء يثقل عليه إذا سمعه، فإن إيذاء المؤمن في الجملة حرام. قال الله عز وجل:{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا}. والحسب المذموم ليس من اكتساب المعير به والحرمة، وإن كانت لنسبه فليس بمكسب محرم. فالتعير بكل واحد منهما بل لإيذاء المحظور المحرم. ويحتمل أن يكون معنى قوله {بغير ما اكتسبوا} أي من غير أن يكتسبوا، سواء بمكان المؤذي ولا الحرفة الدنية إساءة من المعير بهما، إذ المعير بمكان ذلك من الإيذاء الذي وصفه الله عز وجل بأنه بهتان وإثم.
وأيضًا فإن التثويب وإبداء ما يثقل على القلب من أحوال البغضاء والتقاطع، والمؤمنون يتوصون في أنفسهم بالتآلف والتعاطف وأن يكونوا إخوة في أعدائهم يدًا واحدة، ويصلوا الصلوات جماعة، فما دعا إلى التقاطع والتباين فهو مخالف للدين فلا يحل ولا يتبع بحال وبالله التوفيق.
ومر بهذا الباب قول الله عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن، إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه}.
فاشتملت هذه الآيات على تحريم الاستهزاء والسخرية وتحريم اللمز وهو الغيب والرفعة، ومعنى {ولا تلمزوا أنفسكم}: لا يلمز بعضكم بعضًا كما قال: {ولا تقتلوا أنفسكم} أي لا يقتل بعضكم بعضًا وتحريم التنابز بالألقاب هو أن يدع الواحد أن يدعو صاحبه