للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدواعي عنه وانحبست آثارها فلا يبين لتوبته أثر قط إلا بالعزم، ولا بالفعل. ولذلك لم تصح ولم تقبل منه والله أعلم.

وأما قوله عز وجل: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} فليس المراد به أن التوبة إنما تقبل إذا دنا وقتها من وقت المعصية، حتى كانتا مثلًا في يوم واحد أو ليلة واحدة. وأما المعنى: ما دامت الحياة ثابتة والدواعي إلى الجنايات قائمة. وقد قال الله عز وجل في القيامة: {قل عسى أن يكون قريبًا} فإذا كان أجل الجميع قريبًا، فكذلك أجل كل واحد قريب، وأبانه قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر).

وأما الأجل المضروب للجمهور، فقد وردت فيه أنه مهمة، قال الله عز وجل: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك، يوم تأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها، لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا} وجاءه عن النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله باسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وباسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من مغربها) وعنه صلى الله عليه وسلم (أن الله فتح للتوبة بابًا لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها) فعلم بهذا أن الآية إذا أتت لم ينفع نفسًا إيمانها حتى طلوع الشمس من مغربها. وهذا يحتمل معنيين. أحدهما أن الناس إذا أتت وجدوا الشمس طالعة من مغربها خاض إلى قلوبهم من الفزع ما يحمل معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لا ينهاهم بدنو القيامة في حال من حضرة الموت من انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم وبطلانها من أبدانهم. فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته، كما لا تقبل توبة من حضره الموت.

والآخر: أن طلوع الشمس من مغربها لا يعلم إلا بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما زال غير المسلمين

<<  <  ج: ص:  >  >>