للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرهم جبانًا، لا يمنعه ذلك عن مجاهدة المشركين، وحمله على أن ينزل عليهم كثيرًا من حقوق المسلمين مكان ما يبصرون به أكثر مما ينتفعون. وقد علم أن الجبان، لقتل الذي لا يؤمن بجدل المسلمين في الحرب لا يستعان به. ويميز عن حرب المسلمين إذا اختلط بهم. فكيف يجوز أن يكون رأسهم وقائدهم، ما هذا شرطنا الشجاعة والصرامة والله أعلم.

وأما اشتراط العدالة، فلأن الإمام إذا كان يتولى حقوق الله تعالى وحقوق المسلمين فإن قبضه منصب الإمامة ائتمان له على هذه الحقوق، ولا يجوز أن يؤتمن على حقوق الله تعالى من ظهرت خيانته له. ألا ترى أن له أن يحاكم إذا أراد أن يستودع أحدًا مال يتيم لم يجز له أن يستودع من قد ظهرت خيانته في أمثاله، فكيف يجوز للأمة أن تأتمن على حقوق الله تعالى وحقوق عباده من ظهرت خيانته لأن الفاسق ناقص للإيمان، فلا يجوز أن يشرف بالتولية على المسلمين، الذين فيهم من هو كامل للإيمان، أو أقرب إلى كماله منه كما لا يجوز أن يولي شيئًا من أمور المسلمين كافر أو لأن الفاسق لا يرضى للشهادة، فكان بأن لا يرضى للحكم الذي هو أرفع منزلة من الشهادة أولى. وإذا لم يرض للحكم كان بأن لا يرضى بالإمامة التي هي أجمع من الحكم أولى والله أعلم. ولأنه إذا لم يصلح نفسه إما بصنيعها له أو عجز عن إصلاحها فيما طرأ أن يكون لمن يحوي في الإفساد مجراه أكثر تصنعًا، ولا عن صلاحه أشد عجزًا. ومن كان مميزًا بهذه المنزلة فهو أبعد الناس من موقف الأئمة وبالله التوفيق.

فقد جاء في الإمام المقسط والجائز أخبار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسًا إمام عادل. وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذابًا إمام جائر). إن المراد بقوله وأشدهم عذابًا أي: أشد الأبغض أشدهم عذابًا، وإن المراد بقوله: (أقربهم مجلسًا)، أي الأحب أكثرهم كرامة وأحسنهم ثوابًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>