للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبي فقد ألزم أن يقبل شرائعه عنه، وأما توحيد الله تعالى جده وتنزيهه عن الأشياء فليس إدراكه مختصا بالسمع، ولكنه مما يدل بالعقول، وما ثبت من ذلك فليس بممكن أن يتبدل ويتغير. فمن اعتقد أن شيئا سوى الله قديم وأن الله تعالى يشبه شيئا من خلقه فإنما زل عن المعقول، ونحل العقل ما لا جواز له فيه، واعتقد أنه لا يمكن أن يكون الحق غيره. ومن كان بهذه الصفة فأي شيء من الأشياء فإنما يؤمن به على أن يقبل عنه ما لا يعرف إلا بالسمع، وما يمكن أن يكون قد يدل على لسانه من شريعة غيره، ولا يظن به أنه يأتي بخلاف ما هو المعقول عنده، فدخل في جملة إيمانه به تقبل شرائعه ولم يدخل فيها نفي التشبيه وإبطال أن يكون قديم سوى الله إلا أن يكون علم أنه أتى بهما، فاتبعه على ذلك وآمن به والله أعلم.

كذلك النصراني إذا كان يزعم أن عيسى أخبرهم أنه إله، أو ابن إله وابن الإله، فهو يرى أن هذا لا يتبدل ولا يجوز أن يصح خبر بخلافه، فلم يكن ذلك كالشرائع التي تعلم أنها تعرض التبديل، ولم يصح إيمانه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى نعلم أنه جاء: بأن عيسى عبد الله وأن الله لم يلد لم يولد، وأن عيسى لم يكن يحيي الموتى، ولا يبرئ ذوي العاهات، ولا يجعل الطين بنفخة طائرا، وإنما كان يفعل ذلك كله ربه الذي خلقه، ويتبعه على ذلك ويؤمن به فيكون بذلك راجعا عن مقالته والله أعلم.

وإذ قال الثنوي: (لا إله إلا الله) لم يكن مؤمنا حتى يتبأ بقدم النور والظلمة، وإن قال: لا قديم إلا الله كان مؤمنا.

وإذا قال الوثني: (لا إله إلا الله)، فإن كان من قبل يثبت الباري جل جلاله ويزعم أن الوثن شريكه صار مؤمنا. وإن كان يرى أن الله هو الخالق، ويعظم الوثن يتقرب إليه، كما حكى الله عز وجل عن بعضهم أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. فلم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الوثن.

وإن كان يهودي يقول: (لا إله إلا الله)، إلا انه يشبهه بخلقه، فتبرأ من التشبيه فقال: ليس كمثله شيء، صحت بذلك كلمته، وإنما يبقى أن يؤمن بمحمد وعيسى صلوات

<<  <  ج: ص:  >  >>