فأما هذا الباب، فإنه يذكر فيه الحكم في ولاة الجور والمجاهرين بالفسق والحال التي ينبغي أن يصاروا فيها. والحال التي ينبغي أن يجاهدوا فيها، ثم سائر ما يشتمل عليه معنى هذا الباب مما لا يتصل بأحكام الولاة ولا يرجع إليهم، فيقول: أما الإمام العادل الثابت إمامته من بعض الوجوه التي تقدم ذكرها فطاعته واجبة ومخالفته حرام، والثبات على عهده وعقده فرض. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فمن نكث صفقته فلا حجة له يوم القيامة، ومن مات وهو مفارق الجماعة فموتته موتة جاهلية). وهذا لا يختص به من عقد الإمام، فأعطى بها صفقته بيمينه، لأن الذين لم يعقدوا لما لزمهم عقد الذين عقدوا صاروا في الحكم عاقدين، فمن خالف منهم الإمام ورفض إمامته واعتزل طاعته، فقد نكث صفقته، فالجائز ذكرنا الاختلاف فيه، وفي كل فاسق، سواء كان فسقه بالجور أو بغيره، فمن قال: إن الفسق لا يناقض الإمامة احتج بظواهر هذه الأخبار، وقال: إنها نطقت بإيجاب الطاعة للعادل والجائر وتسميتها جميعًا إمامًا، ويصلي الصلاة لوقتها ومخرجها عن وقتها وإخراجها عن وقتها بلا ضرورة فيق. فصح أن الفاسق إمام، كما أن العادل إمام، وإذا كان إمامًا وجب من طاعته ما يجب من طاعة الإمام العادل. ومن قال أن الفسق يناقض الإمامة، قال: إن ذكر الإمام الجائر منفردًا عن الإمام العادل، ليس إلا لأن الجائر إمام في صورة أمره وظاهر حاله ومن إثبات أن يكون إمامًا بالإطلاق كالعادل، وخرجوا عن طاعته، ونبذ طاعته إذا كانت لا تكون إلا لنقض الجماعة، وجبت الطاعة.
وفي ذلك دليل على أن مفارقته إذا أمكنت بغير نقض الجماعة وجبت مفارقته. ومعنى مفارق الجماعة: أن الجمهور إذا كانوا يريدون أن فسقه لا يناقض إمامته، وكان نفر يرون أن يناقضها، فهؤلاء النفر ليس لهم أن يتوخوا بما في نفوسهم لأن الجمهور يخالفونهم، ويردونهم عن رأيهم. فأما أن ينفع الفرقة، وأما أن تصيبهم من الإمامة المعرة استظهارًا فيه بالجمهور، فيكونون قد تعرضوا من البلاء ما لا يطيقونه، وذلك ما قد نهو عنه. وهكذا إن كان أهل الرأي اضطربوا وماجوا، وثارت الفتنة، واضطرب الحبل فسألهم أن يسكنوا ويلزموا الجماعة. ومعنى لزوم الجماعة في هذه الحال الثبات على