قلنا: إنها تجب تقية له، ووجوب التقية في الظاهر لا تمنع من الاحتياط الذي في الباطن والله أعلم.
وأيضًا فقد قلنا: إن أمكن عزله بلا فتنة وجب، وإذا أمكن ترهين أمره سرًا بلا شر يحدث، فكيف لا يجب أو لا يجوز؟ والله أعلم.
فصل
وأما ما لا يتصل بأمر السلطان من هذا الباب، فهو أن أهل البلد إذا أخرجوا للجهاد، فينبغي لهم أن يخرجوا معًا ولا ينقصوا، فيتبدد عقبة ويخرج عصبه. ولا ينبغي إذا أقيمت الصلاة أن يأتيها فريق ويشذ عنها فريق بشيء في نفوسهم، إما من الصلاة، وإما من طريق آخر، ولا ينبغي لهم إذا تفرقت بهم مذاهب الاجتهاد في أحكام الدين أن يتهاجروا ويتباينوا ويتعادوا ويتباغضوا، لاختلاف مقالاتهم، بل يعذر بعضهم بعضًا، ويعلموا أن الاجتهاد لا يؤدي المجتهد إلى ما يحبه ويهواه، ولكن إلى ما جعل طريقًا إليه، ود ألا يأذن الله عليه، فلا يحسبوا اختلاف الرأي خلافًا ولا إفراقًا، ويقتدوا في بالصحابة رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يختلفون ثم لا يتباغضون ولا يتهاجرون.
معنى لزوم الجماعة في هذا لزوم الأمر الجامع، وترك الخوض فيما يفرقه، إتيان أبدى كل واحدة من الفرق وإعجازهم عن القيام بنصرة الدين وأطماع الأعداء أو المخالفين. وكفر أن نعمة الله تعالى التي أنعمها على النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول وقوله الحق:{واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانًا}. وقال:{هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعً ما ألفت بينهم، ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم}.
وأنهم إذا ساروا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما كانوا عليه قبلت قلوبهم منعه من التخريب والتفريق واستحبوا العادة الجاهلية على العادة الشرعية، فلا يؤمن إذا أسكنت نفوسهم ذلك وضربوا