إجابته. وإن علم أنه يدعوه لدعوى وقعت عليه من مدع، فإن كان ذلك المدعي حضر مع رسول القاضي فأرضاه، سقط الذهاب إلى الحاكم عنه، وإن كان لم يحضر ولا وكيل أو نائب في قبض الحق عنه فليذهب وليجب ولا يسعه التخلف مع ترك الدفع إلا في حالة واحدة، وهو أن يكون المدعي كاذبًا وقد أعد شهودًا زورًا، ولا يتأتى له أن يجاهر بحرجهم ولا يجد من يبوح بذلك، ويصرح به في وجوههم، ولا يقدر على دفع لشهادتهم ولا مخرج منها. فيخشى إذا حضروا أقيمت الشهادة عليه أن يحبس ويؤخذ منه المال قهرًا ويفرق بينه وبين امرأته، وبينه وبين جاريته، فينتزع منه. فله في هذه الحال أن يهرب أو يتوارى أو يخفى ماله وما يدعى قبله، فلا يقدر عليه، وهذا موضع عذر وضرورة، فلا يقاس عليه والله أعلم.
فصل
وإذا أقبح القاضي عمله واحتاج إلى أعوان يعملون له من كاتب، وأصحاب مسائل، ولا يتخذن إلا كاتبًا مسلمً عدلًا أمينًا فطنًا متيقظًا لا يطابيه ولا يغيب عنه من أمره وأمر المترافعين إليه شيء، وأمينه وأمين المتخاصمين على ما يثبته ويحطه. ولا يجوز أن يكون من غير أهل الدين، قال الله عز وجل:{لا تتخذوا بطانته من دونكم، لا يألونكم خيالًا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر}.
وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه قيل له: أن هاهنا رجلا نصرانيًا من أهل الحيرة لم نر غلامًا أكتب منه، فلو اتخذته كاتبًا فقال: وقد اتخذا إذًا ربًا دون المؤمنين. وقدم أبو موسى الأشعري على عمر ومعه كاتب له فرفع حسابه فأعجز عمر. وجاء عمر بكتاب، فقال لأبي موسى: أين كاتبك؟ يقرأ هذا الكتاب على الناس؟ فقال له: أنه لا يدخل المسجد، فقال: أجنب هو؟ قال: إنه نصراني قال: فانتهره فقال: لا تدنهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنهم وقد خونهم الله.
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا تستعملوا أهل الكتاب فإنهم يستحلون الرشاء. وعنه أنه قال لأبي موسى الأشعري: استعن على الأمين، فلا أمين إلا من خشي ربه.