وعنه أنه كتب إلى عماله: أن استعينوا على أموركم وعلى رعيتكم بالذين يخشون الله. وعنه أنه قال لأبي موسى: أيتني برجل ينظر في حسابنا. فأتاه بنصراني، فقال: لو كنت تقدمت إليك لفعلت وفعلت، سألتك رجلا أشركه في أمانتي فجئتني بمن خالف دينه وديني، وهكذا القاسم ينبغي أن يكون أمينًا بصيرًا بالفرائض والحساب، لأن القاسم شعبة من شعب الحكم، فينبغي أن يكون من يتولاه في العدالة والأمانة والعلم الذي يحتاج إليه، كمن يتولى جميع شعبه. وهكذا أصحاب المسائل هم أمناء القاضي على الشهادات التي تتعلق بها حقوق المسلمين، فلا ينبغي له أن يأمن عليها إلا المستحق لأن يؤتمن، ولا يثق فيها إلا بمن يستوجب بحسن أحواله والثقة به. وينبغي أن ينزه القاضي نفسه ومن حوله ويشدد عليهم ولا يرخص لهم في أمر ينقم منه، أو يخشى أن يتطرقوا به إلى غيره، ويرتقوا إلى ما فوقه. قال سالم بن عبد الله: كان عمر إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء، جمع أهله فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم النئ، وأقسم بالله، لا أجد أحدًا منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة.
وروى أبو الحصين أن عمر قال: إني كنت لما وليت هذا لأمر لم يكن يحضرني أخوف عندي أن يشركني فيه، من امرأة كانت لها عندي منزلة فطلقتها، فلما وليت وعصمني الله، منعتها نفسي، فكتبت فيها فوجدتها قد ماتت. فقلت: ما قضى الله خير. وكانت المرأة بالشام. وذكر لعمر وقت الاستخلاف عثمان رضي الله عنهما، فقال: كلف بأقاربه ومن ذلك أتى فقتل. فلا ينبغي للإمام أن يقدم أقاربه على عامة المسلمين ولا يستوفهم ما لا يسوغ غيرهم، ولا ينظر لهم بما لا ينظر به لغيرهم ولا يستعملهم ويوليهم، ويدع الناس سواهم والله أعلم.
فصل
وإذا أراد حاكم الجلوس للحكم فليجلس وهو فارغ القلب لا يهمه إلا النظر في أمور المتظلمين، وإن تغيرت حاله بغضب أو غم أو سرور مفرط أو وجع أو ملالة، أو إغراء يوم أو جو غم، فليقم إلى أن يزول ما به، ويتمكن من رأيه وعقله، ثم يجلس.