جليًا لا يحتمل إلا معنى واحدًا، أو قياسًا لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا نقض الحكم على نفسه، ونقضه عليه غيره. وإن كان أخطأ نصًا محتملًا وقياسًا محتملًا لم ينقضه، ويستأنف الحكم بالقياس الذي رآه ثانيًا إن كان أرجح عنده فيما رأى به أولًا، فلا يستأنف الحكم بالنص المحتمل الذي خالفه بحكمه الأول، لأن القياس بين منزلته، ودل على أن المراد به ما خرج عن دلالته. وإذا رأى الحاكم رأيًا، ورأى غيره من العلماء رأيًا، ولم يظهر له رجحان رأي غيره، فلا يحل له أن يقبل منه ويحكم به. وهكذا إن استمر بالحاكم الإشكال فأشار عليه غيره من العلماء برأي ولم يبن له وجهه، ولا ظهرت لديه صحته، فليس له أن يقلده ويحكم به. فإن حكم به أو ترك رأيه الذي استبان صحته لرأي غيره الذي لم يستبن صحته، وصرح بذلك عندما ينفذ الحكم، لم يجز حكمه. وإن قال ذلك بعدما نفذ الحكم، فإن كان عرف أنه من الحكام الذين يرون هذا جائزًا صدق. وإن كان لم يعرف منه هذا، وإنما عرف خلافه، إلا أنه ادعى أن رأيه يغير بحكم هذا الحكم بقول غيره، لم يقم عند الدليل عليه تقليدًا، لم يصدق على المحكوم له، ولم يرد حكمه والله أعلم.
ولا يجوز حكم الحاكم لنفسه ولا لولده ولا لوالده. وإذا خوصم القاضي ارتفع إلى من ولاه، فأما قضي بينهما، وأما ولى نائبًا فقضى بينهما. ولا يجوز حكم من يصطلحان على حكمه بغير أمر من وال يوليه الحاكم والنظر في أمور المسلمين. ولا يجوز للحاكم أن يستخلف لمرض ولا لغيبة ولا لكثرة شغل في المصر ولا في أطرافه، إلا أن يكون الذي ولاه جعل ذلك له. وإذا مات الإمام أو الوالي الذي يعمل القاضي من يده، لم ينعزل القاضي وليس في ذلك كالوكيل ينعزل بموت موكله، لأن الوكيل يعمل برأي الموكل ورأيه يقطع ويفوت بموته.
وإذا عزل القاضي عن عمله فقضى قبل أن يبلغه خبر عزله كان قضاؤه جائزًا، وأقل البلاغ أن يخبره به عدل واحد. ألا ترى أن أهل قباء لما بلغهم في الصلاة أن القبلة حولت استداروا وبنوا، ولم يستأنفوا، وما صلوا قبل البلاغ كان مجزيًا عنهم. وإذا عزل القاضي فقال: كنت قضيت لفلان على فلان بكذا، لم يقبل عزله، ولو ادعى رجل أنه جائر عليه فأخذ منه، وإلا فدفعه إلى فلان، وقال القاضي أحدثه ببينة قامت لخصمه