على أموال المسلمين وعملهم على رقابهم، فليس مما وصاه الله تعالى به فيهم. ويحمله ذلك أن فعله إن كان محمودًا وعلى صلة الرحم محمولًا، فينبغي أن يكون فعل عمر مذمومًا وعلى قطع الرحم محمولًا، وفي إجماع المسلمين على أن عمر بما رأى وما فعل كان ناظرًا للرعية محتاطًا لنفسه ما دل على سقوط معارضة عثمان عنه، وبالله التوفيق.
فصل
وذا رزق الإمام القضاة، فينبغي أن يرزقهم من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم، ومما يفضل من أربعة أخماس الفيء من المقابلة والكراع والسلاح وسبل الله، ومن بركات المسلمين التي مرجعها إلى جماعتهم.
وإن عمل القاضي متطوعًا إذا لم يكن محتاجًا إلى معونة الإمام، فذلك أولى به وأحسن. والأصل في هذا الباب أن الله عز وجل قطع لرسوله صلى الله عليه وسلم أربعة أخماس الفيء وخمس خمس الغنيمة، فكان يأخذ منها قوته وكفايته وكفاية عياله في كل سنة. ويصرف ما يفضل عن ذلك في سبيل الله. ثم الإمامان من بعده أبو كبر وعمر رضي الله عنهما، فإنهما قد افترقا شيئًا، وإن كان ما أخذه أحدهما أولى مما يأخذه الآخر. وروى سليمان بن غلانة قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: يا سليمان، ادخل علي قومًا من الفقهاء اسألهم عن سيدة هذين الرجلين: أبي بكر وعمر، اسألهم ما استحلا لأنفسهما من الفيء حين، وإنما قال فأتاه من نحو عشرين رجلًا، فقال عمر بن عبد العزيز: مرحبًا بكم، فأنتم ورثة الأنبياء، أن الأنبياء لا يورثوا ذهبًا ولا فضة، إنما يورثوا العلم. أخبروني عن هذين الرجلين اللذين عوقبا. قالوا: أما أبو بكر فإن المسلمين رأوا بأجمعهم أن يستخلفوه. وقالوا: أن نبي الله قد استخلفه علينا وهو حي، ما أصابته سكرات الموت إلا أمره أن يصلي بنا، ودنيانا تابعة لديننا، فاستخلفوه وإنه لكاره. فأصبح الغد قائمًا في السوق يشتري ويبيع، وعلى منكبيه أثواب مطوية، ففزع المسلمون من ذلك وقالوا: أصبح خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيع ويشتري لن يبلغ ذلك أحدًا من عظماء الفرس، ولا ملوك العجم إلا أخبروا عليكم، واحتقروا آمركم وأمر خليفتكم. فقاموا إليه بأجمعهم فكلموه كلامًا سديدًا، فقال: