إنما أنا كاسب أهلي فإن ضيعتهم فأنا لما وراءهم أضيع. قالوا: فخذ لهم من مال الله أو من أموالنا أكثر ما ينالون من كسبك. قال: اعهد عهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم؟ قالوا: لا. قال: أفتأمرونني أن أحد بدعة، وقد كان يأتيه الفيء العظيم فيسمى ما ينويه أصفر. ما أدخلها حلوًا ولا مرًا. فلما الحوا عليه، قال: فأني فارض لنفسي إذا اشتغلت نفسي، فإنما هم كأهل بيت منكم، ينوبهم ما نابكم. ففرض لنفسه مدًا بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو مدين وإدامة، وبناء وسخلتين، أو ربما تيس أو هجرتين وإزار لطيف، وإن دخل الشتاء فجبة من فراء، أو طاق تكريتي، وكان هذا الذي أخذ حتى مضى لسبيله، وظهر بعير إن حج وبعير آخر لفقير من فقراء المسلمين، ضرورة تمسكه أحدهما للآخر إن طافا أو سعيا.
وأخذ بهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى افتتح الأمصار، وفاض على الناس المال، حتى هم أن يجعل نفسه أدناهم. وكان ربما كتب إلى بعض عمال الأمصار أني وجهت إليك فلانًا وهو فقير عربي، فأوص به التجار الذين يشترون الغلات، يدخلونه معهم في الأرباح بطيب من أنفسهم عسى أن يجيره الله بهم فيؤجروا، واستوصوا بهم خيرًا، وادخل عليهم ما استطعت من سعة، فربما رجع الرجل وقد أصاب خمسة عشر ألفًا ونحو ذلك فكان رجال من أهل بيته يقولون: اكتب لنا ما كتبت لفلان فيقول: إذًا يقول من بعدكم، قد كان عمر يكتب لأهل بيته، فيتخذوا بذلك حدرة فيتخذوا بها عدوة، فيرتقوا بها إلى غير ذلك. ولا أحب أن نكون أنا وأنتم حجة لمن سلك شتات الطريق. فلما أدوه كلمه المسلمون وقالوا: اخلطهم بإخوانهم. قال: فعملوا في عماله أنفعهم بها، قالوا: نعم نعملك أربعين ألفًا في السنة. فقال عمر: يا رسول الله، يا أبا بكر أن عمر ابن الخطاب يعمل أربعين ألفًا، فكيف من بعده؟ قال: لا ولكن هما ألفان في رأس السنة. فكان يأخذهما ثم يقول: مال عندي، هذا ما يملك عمر! فإن أحببتم استنكم به، وإن أحببتم فاستأثروا به ما طلبتم مني مما وراء ذلك فرؤوسكم الحجارة. قال: فبكر عمر بن عبد العزيز حين أخبر بهذا الخبر حتى ألصق بطنه بالأرض ثم قال: اللهم لولا أني أعلم أنك تعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، لظننت أنك تغضب علي غضبًا لا يرتد عني أبدًا، لسؤالي عن عمل أبي بكر وعمر، فأني لأرجو أن أشبههما، ولكني أسأل عن أهل الخير أحاشي بهم. فقال عمر: إني جاعل نفسي من هذا المال ككافل اليتيم