للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودع منهم). أي أنهم إذا خافوا على أنفسهم من هذا القول فتركوه، كانوا مما هو أشد منه وأعظم من القول. والعمل أخوف، وكانوا أن يدعوا جهاد المشركين خوفًا على أنفسهم وأموالهم أقرب. وإذا صاروا كذلك، فقد ودع منهم واستوى وجودهم وعدمهم.

وجاء عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس أنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها بأنها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. وأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أن القول إذا عمل فيهم بالمعاصي ولم يغيروا، أوشك أن يعمهم الله بقضائه). فثبت بالكتاب والسنة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثم أن الله تعالى جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما بين المؤمنين والمنافقين، لأنه جل ثناؤه قال: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف}. فثبت بذلك أن أخص أوصاف المؤمن وأقواها دلالة على صحة عقدهم وسلامة سريرتهم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورأسهما الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه. وإنما أفرد هذا الباب عن أبواب الجهاد، لأن الجهاد فرض حدود معلومة وأحكام مخصوصة، وقد جاءت فيه بانفراده آيات وأخبار معروفة، وأما ما عداه فليس بموجب، وإنما هو على ما يكفي ويقتضيه الحال، ويؤدي إليه الاجتهاد، فذلك الذي دعي إلى إفراد بهذا الباب.

ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس يليق بكل أحد ولا يجب أيضًا على كل أحد، وإنما هو من المفروض التي ينبغي أن يقوم سلطان المسلمين (بها)، إذ كانت إقامة الحدود إليه، والتعزيز موكل إلى رأيه، والحبس والإطلاق له دون غيره، والنفي والتعذيب مطلقًا إن رآه في سياسته، فينصب في كل بلد، وفي كل قرية رجلًا صالحًا قويًا عالمًا أمينًا، ويأمره بمراعاة الأحوال التي تجري. فلا يرى ولا يسمع منكرًا إلا غيره، ولا يبقى

<<  <  ج: ص:  >  >>