معروفًا محتاجًا إلى الأمر به إلا أمر به. وكل ما أوجب على فاسق حدًا أقامه ولم يعطله، فإنه لا شيء أردع للمعطلين من إقامة حدود الله عليهم. وكما لا ينبغي تعطيل حد بعدما وجب، فكذلك لا ينبغي أن يجلد أحد أو يقطع أو يقتل من غير وجوب، فإن السرف في ذلك تنقلب حياته ولا يحصل فيها غرض الحد. وليس يمكن أن يكون أحد أعلم بعباد الله وطريق سياستهم منه، فلو علم أن الحدود التي شرعها لا تكفي لزاد فيها حتى تكفي هذا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لعن الله من يبلغ حدًا في غير حد، ومن بلغ حدًا في غير حد فهو من المعتدين). وكل من كل من علماء المسلمين الذين يجمعون من فضل العلم وصلاح العمل فعليه أن يدعو إلى المعروف، ويؤخر عن المنكر بمقدار طاعته. فإن كان يطبق إبطال المنكر ودفعه، وردع المتعاطي له عنه فعله. فإن كان يطيق بنفسه، ويطيقه بمن يستعينه عليه فعله، إلا ما كان طريقه الحد والعقوبة. فإن ذلك ليس إلا للسلطان دون غيره. وإن كان لا يطيق إلا القول قال. فإن لم يطق إلا الإنكار بالقلب أنكر.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من رأى منكم منكرًا فاستطاع أن يغيره بيه فليفعل، وإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذاك أضعف الإيمان).
والأمر بالمعروف في مثل هذا النهي عن المنكر إن امتنع العالم المصلح أن يدعو إليه ويأمر به، فيكون منه ما يأمر به فعل. وإن احتاج إلى الاستعانة بغيره استعان، وإن لم يقدر إلا على القول قال. وإن لم يقدر إلا على الإرادة بقلبه أراده، ويشاؤه على الله عز وجل فلعله يسعفه به.
ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يتعجل به، ومنه ما لا يحتمل التعجيل لأن من رأى أحدًا قد غصب من آخر مالًا أو حال بينه وبين أهله أو ولده، فلم يعاجله بالنصح لمن يأمن أن يعرف الأمر ويتعذر ملاقيه. فأما لمن رأى شرب الخمر وقد بلغ به حد السكر، فإن قدر على أن يأخذ ما عنده منها فيريقه فعل. أو كان عنده جماعة من أهل اللهو والباطل فقدر على أن يصرفهم عنه فعل. ولكنه لا ينبغي له أن يكلمه حتى يفيق فيعلم