فليفعل، وإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
فإن قيل: جعل هذا آخر درجات الإيمان في هذين الحديثين، وقال في الحديث المشهور:(الإيمان بضع وسبعون بابًا أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فما وجه اجتماع الحديثين؟
قيل له: الأدنى غير الأضعف، فإن الأدنى: اسم لما يتباعد عن معاني القرب، وإن كان مرجعه في العقبى إليها، والأضعف: اسم لما يظهر وجه القربة فيه ويخلص له، ولكن يكون من نوعه ما هو أقوى وأبلغ منه. ألا ترى أن إنكار المنكر بالقلب هو الذي جعل أضعف الإيمان. وذلك لأن إنكاره قد يكون باللسان من طريق الزجر عنه، وقد يكون باليد من طريق إبطال المنكر، ومعاقبة المتعاطى عنه. فلما كان كل واحد من هذين أقوى من الإنكار بالقلب، كان القلب أضعف للإيمان الذي هو إنكار المنكر لا أضعف الإيمان الذي يتشعب سبعًا وسبعين شعبة.
وأما إماطة الأذى عن طريق فأمر يبتعد من معاني القرب، لأن وجه القربى فيه لأن لا يضر مسلمًا أو يؤذيه، فيكون هذا من باب الاشتقاق على أهل الدين. ومعلوم أنه لو تركه لأمكن أن تكون لعامة المسلمين منه السلامة. (وأن إماطة الأذى)، فليس يكون الأمر فيه للمسلمين خاصة، لكن لهم ولكل من مر بذلك الطريق، مسلمًا كان أو كافرًا. فلا يمكن أن يقطع بأن ما حصل منه وقع موقع النفع لإخوانه المسلمين. أو إن كان لهم دون أعدائهم وهو في نفسه أمر خفيف الكلفة لا يتوهم أن يكون في القرآن أخف كلفة منه. فلهذا كان أدنى شعب الإيمان أقل من أضعف الإيمان الذي هو إنكار المنكر بالقلب. لأن ذلك إنما يرجع إلى تعظيم أمر الله والتهيب له، وهو فرض مكتوب عليه، لا يسعه الإخلال به. فكيف يتوهم أن تكون إماطة الأذى مثله والله أعلم.
وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يومًا فأثنى على طوائف المسلمين خيرًا ثم قال: (ما بال أقوام لا يعلمونهم ولا يفقهونهم، ولا يأمرونهم ولا ينهونهم! ما بال أقوام لا يتعلمون من