يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون). وقال صلى الله عليه وسلم:(يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتنذلق النار بطنه، فيدور بها (كما يدور) الحمار بالرحى. فيقال: مالك؟ فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا أنتهي، وأنهى عن المنكر وآتيه).
فإن قيل: فالسلطان أن يكون ممن يتعاطى الفواحش أيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قيل: نعم لأن السلطنة هي هذا. فلو انقطعت يده عنه لم يكن سلطانًا وليس من دونه في هذا مثله، لأن القيام بهذا الأمر إنما يصير له عند إمساك السلطان لعلمه وصلاحه، فإذا أخل صلاحه، فقد صار مستحقًا للتغاضي عليه، ولا يكون مع ذلك معتزًا على غيره، وإنما ينبغي للآمر المعروف والنهي عن المنكر، إذا ظهر المنكر إلا يصار للأسماع، ورفع المتعاطي قناع الحشمة. فأما إذا كان يستره ويجتهد في أن لا يوقف عليه، فإنه لا يهتك ستره. وإن أجرى ذكر ذلك المنكر بمشهده، ووصف ما فيه من عظيم الإثم من غير أن يخاطب فيه بشيء فيسمعه، فعسى أن يتيقظ فذلك حسن. وإن أرسل إليه على لسان من يرى أنه لا يخفى أمره عنه ووعظ سرًا، فذلك أيضًا حسن. ومما جاء في النهي عن المنكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا يحقرن أحدكم نفسه إن يرى أمر الله فيه مقال، فلا يقول فيه، فيقال له: ما منعك أن تقوم في كذا وكذا. فيقول مخافة الناس. قال: فإياي كنت أحق أن تخاف).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما من نبي إلا كان له في أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويعقدون بأمره، ثم يخلف من بعدهم خلف يقولون ما لا يفعلون، فلا يؤمرون فمن جاهدهم بيده، فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).
وهذا شبيه بما يروى عنه صلى الله عليه وسلم في قوله (من رأى منكرًا أو استطاع أن يقصر بيده