والحياء اسم جامع يدخل فيه الاستحياء من الله عز وجل، لأن ذمة فوق كل ذم، ومدحه فوق كل مدح. والمذموم بالحقيقة من ذمه ربه، والمحمود من حمده ربه. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(استحيوا من الله حق الحياء واحفظوا الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، واذكروا المقابر والبلى، من فعل ذلك، فله جنة المأوى).
وجاء في الحديث:(استحى الله استحياء من رجلين من صالحي قومك وعشيرتك). والحياء من الله تعالى طريق إلى إقامة كل طاعة واجتناب كل معصية لأنه إذا خاف الذم من الله عز وجل إياه، وإنكاره ما يبدو منه من القبيح لم يرفض له طاعة ولم يقرب له معصية لعلمه كان ذلك منكم، فيقوم عنده فإذا هو فاز باستكمال الإيمان لحيائه. فصح بذلك قوله النبي صلى الله عليه وسلم (الحياء من الإيمان) وخلق هذا الدين الحياء.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(قلة الحياء كفر). وقد يجوز أن يكون معناه: أنه ربما يؤدي إلى الكفر، لأنه إذا لم ير أنه عليه في نفي الخالق وجحده ذمًا لم يعبأ به، فصرح به، ودعا إليه وجادل عليه، وإذا لم ير أن عليه من إنكار أن الله عز وجل مبدع كل شيء سواه ومدبره ما لم يحفل به، فأطلقه وسماه مرة علة ومرة شيئًا، وما يشبه ذلك تحصنًا من الاختراع أن يعرف به. وإذا لم ير أن عليه من إنكار أن يكون رزقه بيد الله إن شاء بسطه وإن شاء قدره لم ينل به، وأضاف ما نال عنه من ذلك إلى الكواكب وتدبرها.
وأما من علم أنه على الإطلاق هذه الأقوال مذموم، وهي منه منكرة ومستقبحة، فإنه يتوقاها ويتجنبها، فصح إذًا أن عدم الحياء هو الذي سل السبيل إلى الكفر. وإن وجوب الحياء ووقوره هو الذي دعا إلى لزوم الإيمان، فصح بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحياء من الإيمان)، (وقلة الحياء كفر).
ويدخل في جملة الحياء استحياء الناس بعضهم من بعض، وقد يجوز ذلك مما يتصل